نحن وتراثنا العربي

03:18 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبد العزيز المقالح

ليس لأمةٍ من الأمم ذات التاريخ الحضاري العريق، ما للأمة العربية من تراث أدبي ومعرفي، بما في ذلك الصين والهند وهما من أقدم الأمم وأكثرها حفاظاً على تراثها الذي لا يكاد يكون شيئاً، قياساً بالتراث العربي كماً ونوعاً.
مشكلتنا مع هذا التراث العظيم أن الأجيال الجديدة منصرفة عنه، وكبيرة هي الفجوة القائمة بينه وبين هذه الأجيال التي تعتقد أو بالأصح تتوهم أن المنتج الحضاري الراهن يكفي للبناء عليه، غير مدركة أنه من الصعب أن تقوم الأمم على رجل واحدة؛ إذ ما من أمة إلاَّ ولها مع جذورها ارتباط عميق يحفظ لها هويتها وانتماءها.
وكثير هم المفكرون والباحثون العرب الذين اهتموا بالتراث العربي وانشغلوا بتحليله والتعمق في محتوياته، وفي مقدمتهم المفكر محمد عابد الجابري الذي أعطى جانباً كبيراً من حياته واهتماماته للتراث العربي، باحثاً في أبعاده الإيجابية والسلبية، ودخل في حوارات حادة أحياناً مع بعض الكتاب الذين ينظرون إلى تراثنا من منظور غاية في السلبية والانتقاص.
وقد أسعدني الحظ بلقاء هذا المفكر الجليل والحديث إليه والانصات إلى بعض آرائه، وحضرت له محاضرة أسعدني أنني كنت من قدمها إلى الجمهور النوعي وأغلبيته من أساتذة الجامعة والشبان الباحثين، ومازال صوته يرن في أذني، وما طرحه من أفكار يملأ وجداني.
فقد كان واحداً من أبرز قادة الفكر في حياتنا المعاصرة، وترك آثاراً خالدة في مقدمتها ما كتبه عن التراث، متابعاً ومحللاً ومقيّماً، وإليه يعود الفضل في شد مئات الشبان العرب إلى تراثهم من خلال موضوعيته في طرح الرأي واستخلاص النتائج من مقدمات منهجية عميقة.
إن تراثنا العظيم هو ملك أمتنا وأمانة في أعناق الأجيال، والتساهل في شأنه يزيد من حالة الاضطراب والتفكك التي تعانيها الأمة في حاضرها الذي لا يسر إنساناً.
ويبقى الأمل في جهد أساتذة الجامعات وطلابهم المتميزين الذين يحرصون على كل جزء من تراث الأمة العظيم ومشاهيره العظام أمثال الجاحظ؛ صاحب المدرسة الفكرية التراثية المتجددة التأثير، والتي كان الدكتور طه حسين يوصي طلابه بمتابعة كل ما كتبه الجاحظ بوصفه من الموسوعيين العرب الذين سبقوا زمنهم، وكتبوا عن كل صغير وكبير واحترموا وعي الإنسان وعقله.
وكان هذا الأستاذ الجليل يحرص على تدريس الطلاب كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ، وهو واحد من الكتب ذات الأهمية التراثية التي مازال الباحثون المعاصرون يتعلمون منها كيف يجيدون استخدام لغتهم الخالية من الركاكة والضعف.
وهناك آخرون غير الجاحظ ممن يستحقون المتابعة والاهتمام والإفادة من كل ما قدموه للغة العربية وللفكر العربي منذ بداية نشأته إلى مرحلة ازدهاره.
إن هذا التراث العظيم جدير بأن يلقى من أبناء الأمة كل ما من شأنه أن يجعله حياً ومتداولاً ودائم التأثير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"