التربية على قيم المواطنة

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . يوسف الحسن

لمفهوم المواطنة دلالات كثيرة وعميقة، مثلها مثل مفهوم التسامح، الذي تحدثنا عنه في مقال الأسبوع الماضي (الاثنين الموافق السابع من إبريل الجاري)، وهناك خلل مفاهيمي في هذين المجالين، ما يحتاج إلى مراجعة المفهوم في ثقافتنا السائدة، وأدبياتنا وأنظمتنا وواقعنا .
وتزداد هذه الحاجة ضرورة، في ضوء التطورات والمتغيرات الجارفة، في مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وعلى رأس هذه المتغيرات ارتفاع منسوب وأشكال الغلو والعنف والفوضى والتفتيت المجتمعي، وتداعيات تفجر تقنيات التواصل الاجتماعي، وبروز إشكاليات في أنماط العيش والعلاقات مع الآخر في الوطن الواحد .
وقد عرف العرب المعاصرون هذا المفهوم في مطلع القرن العشرين، وتمت بلورته لغوياً، ليعني ببساطة، مفهوم المشاركة في الوطن، وفي العيش المشترك فيه، بعضوية كاملة الأهلية، والانتماء إليه، والاستعداد للدفاع عنه، والتضحية من أجله .
ومن أبرز قيم المواطنة المساواة الكاملة من دون تمييز، أمام القانون في الحقوق والواجبات التي كرستها المواثيق الدولية، وتضمنتها الدساتير .
إضافة إلى قيم المشاركة والحرية والمسؤولية الاجتماعية . وهكذا، يبدو المفهوم واضحاً، بحيث لا تكتمل المواطنة ما لم يصحبها حب الوطن، وخدمة إنمائه وإعماره وتقدمه وحمايته، والشعور العميق بالانتماء إليه، ولا يتأتى هذا الشعور إلا بالتمتع بحقوق المواطنة، ومن هنا، فإن المواطنة والوطنية، مفهومان مترابطان، وفي علاقة تكاملية . فالوطنية، هي أعلى درجات المواطنة، ونعني بذلك أن صفة الوطنية، التي نطلقها على فرد ما في البلاد، لا تكتسب إلا بالأعمال الصالحة والنافعة للوطن، وبالفعل الإيجابي لمصلحة الدولة .
ومن المؤكد أن قيم المواطنة تتراجع حينما تتآكل هيبة الدولة، أو حينما يحدث تمييز بين المواطنين، على خلفيات عرقية أو مذهبية أو مناطقية، أو في حالة شيوع ثقافة الكسب السريع، أو طغيان ذهنية الغنيمة، أو ضعف قيم وأخلاقيات العمل والإنجاز والمشاركة وخدمة المجتمع، أو حدوث نقائص في التأسيس القانوني للمواطنة .
والمواطنة ليست مجرد وضعية قانونية شكلية، وإنما هنا ذهنية وسلوك وثقافة، وقبل ذلك، هي حقوق وواجبات، واحترام متبادل بين المواطنين، واعتراف بالتنوع في المجتمع، وتقاسم في القيم والعادات والتقاليد والهوية الجماعية، وفي ظل تكافل اجتماعي، وتعاضد، وفرص متكافئة في التعليم والعمل والمعاملة والمشاركة .
والمواطنة الصحيحة، تميز بين مواطن فعال، ومواطن غير فعال، في إطار الحفاظ على المجتمع، ولحمته الاجتماعية، وتنميته، وتطويره، واحترام قوانينه .
في دول عربية كثيرة، يركز الخطاب الرسمي على واجبات المواطنة ومسؤولياتها، أكثر من تركيزه على حقوق المواطنة، أما الخطاب الشعبي السائد، فيكرس مفهوم المواطنة في إطار الحقوق، كالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية .
ومن المؤكد، أن حالة التوازن النسبي بين الحقوق والواجبات، هي الحالة الأفضل، خاصة حينما يدرك المواطن البسيط، مدى فائدة أداء مؤسسات الدولة لواجباتها، فيبادلها "الفعل المواطني"، بأداء واجباته، واستعداده لتقاسم الهموم والأعباء معها .
تواجه المعنيين بمفهوم المواطنة، إشكاليات قياسها في المجتمع، فضلاً عن الحاجة إلى تكريسها وتعزيزها، بما ينقذ المجتمعات من احتمالات ارتفاع منسوب التعصب والنبذ والكراهية والتفتيت، وأمامنا تجارب ساطعة، في دول عدة، اختلت فيها مفاهيم المواطنة، فانتشرت بذور الانقسام المجتمعي واللاتسامح والعنف، ففي الهند مثلاً، هناك مجتمع متماسك رغم تعدديته وتنوعه الشديدين، في حين تواجه الباكستان مخاطر وتوترات، بسبب ضعف ثقافة المواطنة .
كيف نفعِّل إذاً، مبدأ المواطنة، دولة وشعباً، ونكرس مفاهيمها في تربوياتنا وثقافتنا وإعلامنا، وقوانيننا، ومن خلال برامج ووعي يتعامل بتوازن مع الحقوق والواجبات، فلا نحصِّل حقوقاً على حساب تجنب واجبات، من هذه الواجبات اليومية مثلاً، احترام القانون، وإنجاز العمل وإتقانه، واحترام حق الاختلاف، والمساواة الكاملة . . إلخ .
يقول اللاعب الفرنسي ذو الأصل الجزائري (زين الدين زيدان)، "عندما أسجل الأهداف، يقال إنني فرنسي، وإنني مثال يحتذى، ولكن عندما أخسر في مباراة يتذكر الجميع أن أصولي جزائرية" .
دعنا نعط أولوية للتربية على التسامح والمواطنة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"