عادي
في شاعرية البصر

الخط الكوفي.. إشراقة الفن العربي

22:31 مساء
قراءة 4 دقائق
أشرف هيرا

الشارقة: جاكاتي الشيخ

كثيراً ما تكشف المسابقات الدولية لفن الخط العربي عن مواهب إبداعية جديدة، تبزغ من مختلف بقاع العالم، وتؤكد ما يمثله هذا الفن من قيم جمالية خالدة، ومن بين تلك المواهب الخطاط الباكستاني أشرف هيرا، الذي لفت انتباه العديد من المشتغلين بالخط، من خلال أعماله الخطية المتقنة رغم حداثة سنّه.

ولد أشرف هيرا سنة 1991م، وشغف بفن الخط في صغره، واهتم بتعلمه واجتهد في دراسته مع فن الزخرفة، فكان يقضي الكثير من الوقت صحبة بعض الخطاطين الموجودين في منطقته، فيقلّدهم، ويعرض عليهم أعماله من أجل تقويمها وإبداء الملاحظات عليها، ويعمل على تجاوز أخطائه، ويحّسن من مستواه، حتى صار خطاطاً مبدعاً في سن مبكرة، وفي سنة 2009م عمل في لاهور معلماً لمادة الزخرفة وفن الخط في مركز دراسات الحفظ والترميم بكلية الفنون الوطنية، وفي سنة 2017م حاضر في جامعة «لاهور كوليدج النسائية»، وفي سنة 2013م حاضر في جامعة «سارجودها»، وقد نظم عدة معارض فردية لفن الخط على الصعيدين، المحلي والدولي، وشارك في أكثر من 100 معرض ومهرجان في العديد من دول العالم، كما كان عضواً في العديد من لجان التحكيم، من بينها الحلقة الدراسية والمسابقة الدولية في فن الخط سنة 2017م، والمسابقات الوطنية للفنون المرئية في إيران، وشارك في العديد من المسابقات الدولية، حيث فاز بالمركز الأول 25 مرة، وبالمركز الثاني مرتين، ومثلها بالمركزين الثالث والرابع.

يهتم هيرا بالخط الكوفي أكثر من غيره من الخطوط العربية، فلذلك تراه يغلب على لوحاته، فيوظفه في تكوينات ذات طابع هندسي لافت، مشتغلاً على إقامة العلاقات الرأسية والأفقية المحلاة بزخارف ووحدات هندسية ونباتية، تؤطر محيط اللوحة، وتنتشر في جنباتها وضمن فراغاتها، مشكّلة تصميماً إبداعياً متميزاً، كما يظهر في اللوحة الموجودة بين أيدينا.

  • صِلة وثيقة

كتب هيرا قوله تعالى في الآية 103 من سورة النحل: «وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»، وخطها بالكوفي الذي يعتبر من أفضل الخطوط العربية، لأنّه منظم من جهة أشكال حروفه المتشابهة، وتزيين التنقيط لها، ويتميز بحدة زوايا الحروف واستقامتها، وقد سمي أيضاً بالخط الموزون بسبب استقامة حروفه، ووضوح كلماته، رغم ما تتطلبه من اجتهاد ودقة في التصميم، وذلك ما جعل منه خطاً زخرفياً، لأن الخطاط يستطيع من خلاله زخرفة الحروف والكلمات بأشكال مختلفة، مثل رسم أوراق الشجر، أو الأزهار، أو أي أشكال أخرى، كما أنه خط هندسي بامتياز، ما يسهل الإبداع فيه من طرف أي شخص لديه معرفة بالهندسة، أو يمتلك ملكة التصميم بها، و يحتاج إلى استخدام المسطرة والأدوات الهندسية، أو ما يقوم مقامها، لأنه أقرب إلى التصميم المعماري، وأكثر مرونة من الخطوط العربية الأخرى، ويستطيع الخطاط من خلاله ابتكار واستحداث أشكال جديدة، مع الحفاظ على سماته، وخصائصه التي لا تحول دون خلطه مع بعض التصاميم الخطية الحرة المستحدثة.

إن اختيار هيرا لقوله تعالى:«وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»، اختيار وثيق الصلة بالخط العربي، لأن مضمون الآية يتناول القرآن الكريم، ونزوله باللغة العربية الفصحى، وأهمية هذه اللغة، وعظمتها، وهي اللغة التي يعتمد عليها الخط، وتشكل ذاته، فيجول في مضامينها، ويُجلي جماليّاتها التي تمزج بين تلك المضامين وما تعكسه أشكال نصوصها من دلالات بصرية بديعة، وهو ما أراد الخطاط تجسيده في هذه اللوحة المشرقة بنور الحرف المقتبس من القرآن باللسان العربي المبين.

  • امتزاج

اجتهد هيرا على إظهار كل ما أوتي من قدرات فنية في هذه اللوحة، فصمّمها على شكل مسجد بمنارته وقوس واجهته التي جعل فوقها مصحفاً مفتوحاً، وكتب الآية بشكل أفقي، حيث بدأ بحرف الواو، وأتبعه باسم الإشارة «هذا» الذي شكل من الخط الممتد من هائه منارة كاملة، فمدّه نحو الأعلى واستمر في خلق عدة زوايا والتواءات وانحناءات منه حتى أتم به شكل المنارة، كأنه يريد التأكيد على عظمة القرآن الذي تشير إليه «هذا»، بكونه النور الذي تمثله تلك المنارة، وفعل الشيء نفسه مع حرف الألف الذي ربطه باللام الأولى من الكلمة الموالية «لسان»، ثم ربط الحرفين باللام الثانية من نفس الكلمة ليشكل من الحروف الثلاثة قوس واجهة المسجد وبوابته والمصحف، كأنه يريد إكمال إيحاءه بصلة هذا النور القرآني بهذه اللغة العظيمة التي نزل بها، وكتب الكلمتين «عربي» و«مبين» من دون أي تغيير ولا إضافات، ليؤكد على لغة هذا اللسان «عربي»، وفصاحته ووضوحه «مبين»، بالإضافة إلى رسم إطار من المنمنمات حول الشكل الخطي، ليمنح اللوحة بهاءها، ويُخرج لنا عملاً فنياً بديعاً، يمتزج فيه الخط مع الزخرفة، وتوظف فيه خصائص ومميزات الخط الكوفي في أعلى مراتب إتقانها.

اقتصر هيرا في متن اللوحة على اللونين الأبيض والأسود دون غيرهما، لتضفي الخلفية البيضاء مع الخط الأسود صفاءً ووضوحاً وإشراقاً، ويعكس ذلك نورانية القرآن الكريم، وفصاحة اللغة العربية وبلاغتها، فيما كانت الألوان المختارة للإطار مُشكّلة بحيث تُتِم ذلك الإشراق والبهاء الجمالي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/a93fyvjr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"