سوق المبادرات العربية

01:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
يصرّ الكيان العنصري الصهيوني على التجاوب بسرعة مع مبادرات السلام العربية، ولكن على طريقته التي عوّدنا عليها. فهو قد رد على مبادرة السلام العربية، التي تم التأكيد عليها في القمة العربية التي عقدت يوم السابع والعشرين من مارس/ آذار 2002 في بيروت، بشأن تطبيع العلاقات «الإسرائيلية» - العربية شريطة الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، فيتجاوب هذا الكيان الصهيوني الفاشي معها عبر حصاره لمقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واغتياله بالسم فيما بعد، وزيادة قمعه واعتداءاته على الشعب الفلسطيني الصابر المكافح، والأعزل إلا من إيمانه بقضيته، وإصراره على النضال من أجل تحرير وطنه.
وكما هو الحال من موقفه الاستعماري العنصري والمتغطرس، تجاه مبادرة العرب له بالسلام في قمة بيروت 2002، والتي جاء في أحد بنودها دعوة عربية صريحة ل «إسرائيل» و«الإسرائيليين» جميعاً إلى قبول هذه المبادرة حماية لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكن الدول العربية و«إسرائيل» من العيش في سلام جنباً إلى جنب.
وها هو يرد على العرب في مبادرتهم الجديدة التي أعلنوها في القمة العربية الأخيرة في الأردن، بسرعة وبنفس الأسلوب الصهيوني المتغطرس، حيث إنه لم يكد حبر البيان العربي الصادر عن القمة يجف، حتى قدم الكيان العنصري الصهيوني، رده المتعجل كالعادة على المبادرات السلمية العربية، من خلال مصادقة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية «الكابينيت»،، وبالإجماع على إقامة مستوطنة جديدة بالضفة الغربية المحتلة بديلة عن مستوطنة «عمونا» ستخصص للمستوطنين الذين كانوا في البؤرة الاستيطانية التي أقيمت على أراض للفلسطينيين من بلدة سلواد.
وأبلغ بنيامين نتنياهو، وزراءه خلال جلسة «الكابينيت»، عن قراره القاضي بتسويق 2000 وحدة سكنية استيطانية من أصل 5700 وحدة سكنية قد أعلن عنها قبل عدة أشهر، وهي وحدات سكنية استيطانية تم تأجيل تسويقها بسبب خلل تقني، على حد وصف مصادر صحفية «إسرائيلية».
ويأتي ذلك في وقت تشير فيه صحافة الكيان، إلى ما أسمته «صيغة ترامب» للبناء الاستيطاني، التي تسمح لنتنياهو، بتنفيذ تعهداته للمستوطنين ببناء مستوطنة جديدة لهم.
رد «إسرائيلي» جديد يمثل صدمة وخيبة أمل لكل الساعين إلى السلام مع الكيان الصهيوني، مثلما يقدم دليلاً جديداً ودامغاً على أن فلسفة السلام لم تدخل في قاموس السياسة «الإسرائيلية» بعد، وأن ما يسمى بمعسكر السلام في «إسرائيل» ما هو إلا حروف بماء يخطها الحالمون بتغير النهج الصهيوني العدواني الاستيطاني. ف «إسرائيل» كما هو معلوم كيان قائم بالأساس على فكرة الاحتلال والاستيطان الإجلائي، المستند على الفلسفة العنصرية للصهيونية العالمية، وأن كل مبادرة عربية للسلام ستلحق بسابقاتها مع تجاهل هذا الكيان الغاصب، الذي عودنا على كرهه للسلام، وإمعانه في جرائمه التي يخال أنها تشكل الضمانة الوحيدة لبقائه في منطقتنا العربية، ناهيك عن أن الصهيونية التي تؤمن كل الإيمان، بضرورة استمرار الصراع من أجل تماسك المجتمع الصهيوني، انطلاقاً من عقدة أسطورة «الماسادا» اليهودية التي تقدم للتلاميذ «الإسرائيليين» في الكتب المدرسية، والتي تصور اليهود الذين تحصنوا قي قلعة مسادا إبان الحقبة الرومانية على حد زعم الأسطورة «الإسرائيلية» والمنظرين الصهاينة، الذين يحاولون تشبيه الكيان الصهيوني بأنه مسادا هذا العصر.
وعليه فإنه من الخطأ الاعتقاد أن هذا الكيان الغاصب يمكن أن يجنح للسلم، مهما قدمت له من عروض سلام عربية سخية، الأمر الذي يعني أن الاستمرار في المبادرات العربية السلمية، لا يعدو كونه مضيعة للوقت ليس إلا.
وهذا الاستنتاج لا يعني الدعوة إلى الحرب بالتأكيد، لا سيما في ظل الواقع السياسي المهيمن على العالم، وإنما هو دعوة للبحث عن سبل أكثر نجاعة في التعامل مع الكيان الصهيوني، وأبرزها تفعيل المقاطعة العربية ضده ومحاصرته إعلامياً، كأضعف الإيمان، وزيادة الدعم والمساندة الحقيقية للشعب الفلسطيني، الذي ما برح يقارع المشروع الاستعماري الصهيوني، منذ حوالي سبعين عاماً، أي منذ إقامة الكيان الصهيوني وحتى يومنا هذا، إذ يندر أن يمر يوم واحد من دون أن يقدم الشعب الفلسطيني شهيداً أو أكثر، برصاص الصهاينة المحتلين.
وأخيراً، لا بد من القول إن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يقبل بالسلام، ما لم يدفع ثمن رفضه له، وإلا فإن اللامبالاة «الإسرائيلية» بكل المبادرات والجهود الرامية لتحقيق السلام ستبقى مجرد سراب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"