أفغانستان والانتخابات الفرنسية

01:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم تكن من قبيل المصادفة أن تنعقد اجتماعات قمة ثلاثة متتالية لأصحاب القرار في العالم (قمة جماعة الثمانية ثم حلف الأطلسي ثم الاتحاد الأوروبي) بعد تسلّم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند السلطة بأيام معدودة . فهذه القمم دورية سنوية ومواقيتها محددة سلفاً، كما أن دخول الرئيس الفرنسي المنتخب قصر الإليزيه يحصل عادة في التاريخ نفسه، مايو/ أيار، بعد الانتخابات الرئاسية التي تجري مرة في كل خمس سنوات . ومن المؤكد أن هولاند الذي لا يملك خبرة في الاجتماعات الدولية الكبرى استعد لها جيداً وحمل إليها أفكاراً وقرارات في مستوى أهمية فرنسا كقوة عظمى ولو متوسطة كما كان يقول الرئيس جيسكار ديستان . والأهم من هذا أن هولاند وجد الفرصة مناسبة للدخول إلى المحافل الدولية من باب كبير يفتح أمامه السبيل إلى الفوز في الانتخابات التشريعية المقررة في السادس عشر من يونيو/حزيران المقبل .

الفكرة الأهم التي حملها هولاند إلى هذه القمم هي أولوية النمو الاقتصادي على التقشف كحل للأزمة التي تضرب منطقة اليورو والتي تصيب بتداعياتها الاقتصاد العالمي برمته ولاسيما الأمريكي الذي يحاول جاهداً الانفلات من حبائل أزمته المستعصية . وفي هذا المضمار حقق هولاند هدفاً في مرمى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وذلك عندما أثنى الرئيس باراك أوباما على خطته وتبعه في ذلك زعماء آخرون .

أما القرار الأهم الذي حمله الرئيس الفرنسي إلى حلفائه في حلف الأطلسي فهو الانسحاب المبكر من أفغانستان وهو قرار غير قابل للتفاوض كما أعلن بلهجة الواثق من نفسه تعويضاً عن قلة خبرته في الشؤون الدولية . وإذا كان الرئيس أوباما قد أثنى على فكرة هولاند حول النمو الاقتصادي فانه لا يستطيع الموافقة على قرار الانسحاب الفرنسي المبكر من أفغانستان والذي اعتبره الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ،خلال حملته الانتخابية، إخلالاً بالتزام فرنسا وطعنًا بمصداقيتها لدى الحلفاء الذين اتفقوا على الدخول معاً والخروج معاً، وبأن هذا الخروج سوف يحدث في العام 2014 بعد أن تتسلم القوات الأفغانية مسؤولية الأمن على كافة الأراضي الأفغانية كافة .

لكن التدقيق في قرار الانسحاب من أفغانستان يفضي إلى القناعة بأنه ليس قراراً استراتيجياً أو تحولاً في الموقف الفرنسي ينبغي الوقوف عنده بقدر ما هو فعل انتخابي ليس إلا .

فقد كانت الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا خالية عملياً من النقاش الجدي إذ إن المرشحَيْن، ساركوزي وهولاند، يتفقان على كل شيء تقريباً في مجال سياسة فرنسا الخارجية والتي هي استمرار وليس قطيعة . واختار فرانسوا هولاند التمايز فوعد بالانسحاب المبكر من أفغانستان وهو قرار يحظى بشعبية، كما هو حال مثل هذه القرارات عموماً في الدول الغربية .

وكانت هولندا، في العام ،2010 وكندا، في العام ،2011 قد انسحبتا من المستنقع الافغاني والرئيس أوباما نفسه أعلن عن سحب ثلاثين ألف عسكري . كما أن الرئيس ساركوزي كان قد وعد بالانسحاب في نهاية العام ،2013 علماً بأن ال3400 عسكري فرنسي لا يغيّرون شيئاً في ميزان القوى على الأرض ،حيث هم موجودون منذ أحد عشر عاماً، ولا يشكلون أكثر من ثلاثة في المئة من المئة وثلاثين ألفاً المنتشرين هناك تحت لواء حلف الاطلسي . ثم أن هولاند نفسه بدأ يضفي نسبية على قراره الذي أضحى يتعلق فقط بالقوى المقاتلة مع الموافقة على أن ثمة معدات ثقيلة يصعب سحبها مع نهاية العام الجاري، ما يعني أن تمديد القرار بضعة أشهر لأسباب تقنية عملية يبقى أمراً وارداً لاسيما بعد الانتهاء من كل الانتخابات التشريعية ثم البلدية في هذا العام .

يمكن القول أن الرئيس هولاند يسعى إلى الظهور بمظهر المسارع إلى تنفيذ وعوده للشعب الفرنسي ومنها الوعد بالانسحاب من المأزق الأفغاني . وتنفيذ هذا الوعد لا يغير في الأمر شيئاً على مستوى السياسة الخارجية الفرنسية أو العلاقة مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة، فالكل يتفهم حاجة الرئيس الفرنسي إلى أغلبية برلمانية كي يحكم ياستقرار وطمأنينة للسنوات الخمس المقبلة، والانتخابات التشريعية بعد أيام معدودة .

المشكلة بالنسبة لواشنطن هي أن تحذو دول أخرى حذو فرنسا والأهم هو ما يتعلق بسياسة حلف الأطلسي الافغانية بعد العام 2014 والخوف من ان ينهار حكم حامد كرزاي كقصر من ورق غداة انسحاب الأطلسي . لكن فرنسا لم تمتلك يوماً سياسة أفغانية خاصة بها وهي أضحت عضواً كامل العضوية في حلف الأطلسي وعلى الارجح أن لا تتخلى عن الحلف لدى صياغته القرارات المتعلقة بما بعد العام 2014 في أفغانستان . وقتها لن يكون هناك انتخابات فرنسية رئاسية أو تشريعية أو غيرها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"