المواقف الروسية حيال "الربيع العربي"

05:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

فوجئت روسيا بالثورتين التونسية ثم المصرية التي انتهت إلى تأييدهما بعد فترة قصيرة من الترقب والحذر،تماماً كما فعلت أوروبا والولايات المتحدة . ولكن في الحالة الليبية بدأت المواقف الغربية والروسية بالافتراق، فإذا كانت موسكو قد أيدت التغير السلمي، في تونس ومصر، فإنها لم توافق على حصوله عن طريق تدخل عسكري خارجي في ليبيا . بيد أنه رغم تصريحات الرئيسين بوتين وميدفيديف المنددة بالتدخلات الخارجية وعسكرة المعارضة الليبية، فإنهما عادا والتحقا بالموقف الغربي . ففي قمة جماعة الثماني في دوفيل بفرنسا، في 27 مايو/أيار 2011 أعلن ميدفيديف أنه على القذافي الرحيل قبل أن تصوت موسكو على القرار 1970 وتمتنع عن التصويت على القرار 1973 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، مع الاعتراض على التدخل العسكري الأطلسي الذي نددت به، لكن من دون أن تفعل شيئاً للحؤول دون حصوله . واحتفظت موسكو لنفسها بمسافة إزاء الثورة اليمنية وجاء موقفها شبيهاً بالموقفين الغربي والسعودي إلى حد التطابق . ففي إبريل/نيسان 2011 حث سيرغي لافروف الرئيس صالح على السعي إلى حل سلمي داخلي . وفي بداية يونيو/حزيران دعم المشروع الذي قدمه مجلس التعاون الخليجي ثم الوساطة السعودية، وبعد الانتخابات الرئاسية اليمنية في 12 فبراير/ شباط الماضي أيدت موسكو الانتقال السلمي للسلطة من صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي . الموقف الروسي من الثورة السورية قطع جذرياً مع مواقفها من الثورات العربية السابقة . منعت موسكو مجلس الأمن الدولي من إقرار عقوبات اقتصادية وغيرها بحق دمشق رغم قمعها الوحشي للمعارضة وقتلها المنهجي للمدنيين الأبرياء . وقد التحقت الصين بالموقف الروسي ليس لمصلحة صينية محددة، ولكن لدرء العزلة الدولية عن روسيا التي لا بد أن تكافئ الصين على موقفها هذا عندما تحين الفرصة . بالطبع رفضت موسكو المطالب بتنحي الرئيس الأسد ولو على الطريقة اليمنية، بل إنها بدت وكأنها جاهزة لخوض حرب عالمية كرمى لعينيه، رغم وصف المسؤولين الروس له، في غير مناسبة، بأنه ليس حليفاً ولا صديقاً لهم . لماذا إذاً، تقف موسكو هذا الموقف؟

في نظر بعض المراقبين تشعر روسيا بأنها خدعت في الملف الليبي، لذلك تخشى من صدور قرار أممي بحق سوريا يفَسر بأنه يسمح بتدخل عسكري خارجي على الطريقة الليبية فتخسر بذلك موطئ قدمها الأخير في المتوسط لاسيما مرفأ طرطوس حيث تملك قاعدة عسكرية .ثم إنها تبيع سوريا بقيمة أربعة مليارات دولار سنوياً تقريباً من سلع مختلفة بما فيها صواريخ سام وقواعد دفاع جوي .

وعدا المصالح تخشى روسيا في حال سقوط نظام الأسد، من قيام نظام إسلامي مكانه، وليس حكومة ديمقراطية مسالمة، فما حصل في تونس ومصر لا يبشر بالخير . وهي لا ترى أن إدارة أوباما (أو حتى رومني في حال فوزه في الانتخابات في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، مهتمة جدياً بحصول تغيير حقيقي في دمشق، إذ إنها تطلق التصريحات والعقوبات الاقتصادية غير الفاعلة، أي أنها تريد أن تكون في المقدمة ولكن من دون إنجاز شيء حقيقي فاعل . رغم ذلك أيدت موسكو المبادرة العربية - الأممية ومهمة كوفي عنان، وأرسلت إشارات تشي بالتخلي عن بشار الأسد رغم استمرارها في حمايته ومده بالسلاح، وذلك في محاولة لاستدراج عروض لم يرد عليها الغرب ردوداً مشجعة . ما تريده موسكو هو مفاوضة الغرب على مرحلة ما بعد الأسد، على نظام الحكم البديل وسياسته الخارجية، وعلى الإسلام المتطرف في القوقاز وداغستان والدرع الواقية من الصواريخ وغيرها من الملفات . تريد الجلوس مع الغرب كقوة عظمى من الند للند من أجل التباحث في الخريطة السياسية الجديدة المنبثقة عن الثورات الشعبية في منطقة فائقة الأهمية كمنطقة الشرق الأوسط . لكن الولايات المتحدة المنشغلة بالانتخابات الرئاسية لا تشعر بأن الوقت يعمل لمصلحة خصومها، وهي تستطيع الانتظار .كذلك روسيا، ولو أنها بدأت تستشعر ثقل الملف السوري في كل المجالات العسكرية والقانونية والأخلاقية والاقتصادية وغيرها . فقط الشعب السوري المسكين والمدنيون الأبرياء يدفعون بالدم الثمن الباهظ للعبة الأمم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"