لماذا يلتحق بعض معتنقي الإسلام الأجانب بالمنظمات الإرهابية؟

01:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

تحار العلوم الاجتماعية أمام ظاهرة التحاق الأجانب، ممن دخلوا حديثاً في الدين الإسلامي الحنيف، بالمنظمات الإرهابية. فما هي دوافعهم الحقيقية؟ وما الذي يحركهم حتى يَقتُلون ويُقتَلون ويمارسون الإرهاب بأبشع طرقه ومظاهره؟
هناك كم هائل من المعطيات المتوفرة في الإنترنت (الشبكات الاجتماعية والمنتديات والمدونات وغيرها) تمثل مصدراً مهماً للمعلومات عن هؤلاء، والذين يعلنون عن انتمائهم ودوافعهم بوضوح. ففي العام المنصرم تم إحصاء نحو ٤٦ ألف حساب تويتر مرتبط بداعش وعدد كبير منها يديره أجانب مسلمون بلغات غير عربية (الإنجليزية والإسبانية والألمانية والفرنسية...).
ويبدو هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً أكثر تطرفاً من غيرهم، على الأرجح لأنهم يريدون تقديم الدليل على أنهم باتوا مسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم. وهذا النوع من الدوافع يترجم نفسه بديناميات جماعة تحدث تغييراً عميقاً في إدراك الأفراد الذين ينتمون إليها والذين باتوا يرتبطون فيما بينهم بصداقة حميمة ومصير مشترك. أما الدينامية الأخرى فتقبع في شبكات اجتماعية عنكبوتية وشبكات ناشطين تحتل فيها مفاهيم الأخوة والتعاون مكاناً مركزياً فتدفع إلى القيام بأفعال فيها قدر كبير من التماسك والتكافل.
ولكن سواء تحركت في الفضاء الافتراضي أو الحقيقي فإن دينامية الجماعة تنهض على المحاكاة أو المزايدة الراديكالية والتي من خلالها يحاول كل فرد تقديم البرهان عن ولائه للجماعة وقدرته على الدفاع عن «الطائفة» من خلال استعداده للقيام بأكثر الأعمال تطرفاً وعنفاً وإرهاباً. وتحت تأثير دينامية الجماعة هذه فإن الذين دخلوا في الإسلام المتطرف لا يتحركون فقط من أجل القضية نفسها بل من أجل الآخرين أيضاً.
والدينامية الداخلية أي داخل الجماعة تجعل إدراك الأفراد يتمحور حول ثنائية «داخل وخارج» (الطائفة) أي «نحن في مواجهة هم» أي المسلمين ضد غير المسلمين بل والسنة ضد الشيعة وأكثر من ذلك «نحن ضد كل من يخالفنا الرأي أو العقيدة». وتذهب هذه الدينامية وجهة الردكلة والتشدد مع نمو المشاعر بالذل والمهانة، فيضحي الإرهاب والعنف «جهاداً» مبرراً ومشروعاً في الرؤية الداخلية لهذه الجماعة المنغلقة على نفسها.
ومنذ عام ٢٠١٤ أخذت مقولة التمييز حيال المسلمين الذين يعيشون في الغرب مكاناً في رأس لائحة المحركات والدوافع النفسية. وهكذا نشرت البروباغندا الداعشية وبشكل واسع على صفحات الشبكات الاجتماعية فكرة أن المسلمين وأولئك الذين اعتنقوا الإسلام في الغرب لا يعاملون كمواطنين لهم حقوق. وبالتالي فعليهم إما أن يحملوا السلاح ضد الدول التي تمارس التمييز العنصري بحقهم وإما الهجرة إلى «أرض السلام» والالتحاق بدولة ما يسمى «الخلافة الإسلامية».
وينبغي التمييز ما بين الدوافع الداخلية والخاصة بالأفراد الذين يسقطون في الراديكالية، وتلك الخارجية المتعلقة بالحوادث الوطنية والدولية والحروب والصراعات. فالدراسات التي أجريت عن الذين اعتنقوا الإرهاب والتطرف تقول بأنهم نوعان: عقيدي وسياسي. العقيدي يترجم نفسه بالانتماء إلى عقيدة دينية تتمحور حول مفهوم «الجهاد»، ومنذ عام ٢٠١٤، على انبعاث «الخلافة» التي تدعو إلى إعادة توحيد المسلمين تحت سلطة سياسية ودينية واحدة، كما كانت عليه الأمور في عصور الخلافة الإسلامية.
في إطار هذه الإيديولوجية يبدو الانتماء إلى المنظمات الإرهابية كوسيلة انتقامية من المعادين للإسلام الذين يسعون إلى تأجيج الانقسامات القائمة بين المسلمين بغية إضعافهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم. وفي معظم الأحيان يحمل المعادون للإسلام هوية دينية محددة، وذلك بهدف منح الكفاح المسلح طابعاً دينياً يعيد إلى الأذهان الحروب الصليبية ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر.
النوع الثاني من المحركات أو الدوافع الإيديولوجية يعبر عن نفسه في المعارضة العنيدة للسياسات الخارجية والتدخلات العسكرية الغربية في بعض البلدان التي تبدو كضحايا للإمبريالية والتدخلات الأجنبية. هناك قناعة راسخة بأنه ينبغي الدفاع عن الإسلام ضد الهجمات المتكررة للغربيين عليه أو أيضاً بأن الطائرات من دون طيار والقصف الجوي وما شابه يصيب الضحايا المدنيين ويوفر الدكتاتوريين.
تظهر الراديكالية في إدراك بعض معتنقي الإسلام الجدد كإيديولوجية ثورية خالصة. وفي غياب بديل إيديولوجي راديكالي في بيئة هؤلاء المباشرة فإن هذا الشكل من الالتزام يأخذ مكان إيديولوجيات «العمل المباشر» في إيطاليا أو «بادر ماينهوف» في ألمانيا إبان سبعينات القرن المنصرم. إن عدداً كبيراً من معتنقي الثقافة الدينية البدائية ينظرون إلى أنفسهم كثوريين حقيقيين، فيحملون لافتات ويضعون ملصقات لثوار عالميين مثل تشي غيفارا. ويعتمد هؤلاء كثيراً على وسائل الإعلام والدعاية التي أضحت جزءاً لا يتجزأ من دوافعهم الإيديولوجية، إذ إنهم يبحثون عن الانتشار الأوسع لأفعالهم وإعلاناتهم في شكل تهديدات ضد بلدانهم الأصل.
في المحصلة يغري الانخراط في المنظمات الإرهابية الداخلين الجدد في الإسلام لأسباب في طليعتها الفراغ الإيديولوجي والوجودي. وليس هناك من نمط واحد محدد لهؤلاء لكنهم يشتركون في البحث عن معنى لوجودهم عبر الإرهاب المسلح الذي يجعل منهم أبطالاً في الأرض وشهداء في الجنة، كما قيل لهم.
ولا يعود الانتماء إلى المنظمات الإرهابية فقط لأسباب نفسية مرضية، فالإرهابيون ليسوا كلهم مرضى نفسانيين أو مختلين بالمعنى العيادي للكلمة. لجوؤهم للعنف تحكمه، في معظم الحالات، أهداف سياسية وإعلامية. لذلك فإن الحرب ضدهم ينبغي ألا تنحصر في الساحة العسكرية والأمنية بل أيضاً وخصوصاً في الحيز الإعلامي العالمي الواسع. يجب بناء خطاب واضح من قبل الجهات المعنية لتفنيد فكر المنظمات الإرهابية الهدام ولحماية الذين لديهم قابلية للدخول في مثل هذا العالم المجنون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"