رهان أردوغان

04:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاصم عبد الخالق

عندما امتنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن المشاركة في الحملة العسكرية الدولية ضد «داعش» أغضب حلفاءه في الخارج وخصومه في الداخل.

وعندما قرر أخيراً خوض الحرب لم يرض الحلفاء ولا الخصوم.
انتقد الفريقان موقفه في الحالتين، وشككا في دوافعه في الحالتين أيضاً.
وبقي متهماً من الجميع ومطالباً بالدفاع عن نفسه: لماذا أحجم أولاً ولماذا أقدم على خوض غمار الحرب الآن؟.
لم تخف الدول الغربية امتعاضها من موقف أردوغان برفض المشاركة في عمليات التحالف ضد «داعش» رغم أن تركيا عضو فيه.
وإذا كانت الانتقادات الغربية راعت في معظمها التقاليد الدبلوماسية وجاءت هادئة، فإن الانتقادات التي تعرض لها أردوغان من خصومه في الداخل ظلت عنيفة وحادة.
تبدأ باتهامه بتعريض مصالح تركيا للخطر لرفضه ضرب «داعش» وتصل إلى اتهامه بالتواطؤ مع التنظيم الإرهابي.
وكان يفترض أن يضع قرار أردوغان بتوجيه ضربات إلى «داعش» حداً لهذه الاتهامات، وأن يرضي معارضيه.
غير أن هذا الهدف لم يتحقق حيث اتهموه هذه المرة بأنه يخوض حرباً لمصلحته الشخصية، ولخدمة حزب العدالة والتنمية بهدف تحسين فرصه في الانتخابات المبكرة المتوقعة.
هذا عن الخصوم السياسيين، أما الأكراد فقد اعتبروا أن الهجمات التركية على «داعش» ليست أكثر من ستار لإخفاء الهدف الحقيقي وهو ضرب معاقل حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا والعراق.
ولأن الغارات التركية شملت هذه الأهداف بالفعل فقد أيقن الأكراد أن ظنونهم صحيحة.
طرف آخر أثارت هذه الهجمات حفيظته وهو الحلفاء الأوروبيون خاصة ألمانيا حيث أبدى الكثيرون تحفظهم على استهداف الأكراد محذرين من نسف عملية السلام بين تركيا وحزب العمال والتي تلقى تأييداً أوروبياً.
أما الولايات المتحدة ورغم أنها تعتبر حزب العمال تنظيماً إرهابياً فإنها لا تشعر بارتياح للهجمات التركية ضده، ليس فقط لأن ضرب «داعش» وليس الأكراد هو الهدف ويجب أن يكون الأولوية كما ترى واشنطن، ولكن لأن الغارات على قواعد حزب العمال ستضعف حليفه وامتداده السوري أي حزب الاتحاد الكردي وهو حليف للولايات المتحدة في الوقت نفسه.
وقوات حماية الشعب التابعة لهذا الحزب تتلقى دعماً عسكرياً ومادياً أمريكياً.
ولن تسمح واشنطن بإضعاف هذا الحليف حتى لو كان يتعاون مع طرف آخر تعتبره إرهابياً، (دع المبادئ جانباً الآن). لكل طرف من هذه الأطراف، أي المعارضة الداخلية والأكراد وأردوغان وجهة نظره.
وقد يستند موقف كل طرف بالفعل إلى جانب من الحقيقة.
غير أنه ليس لأحد أن يدعي أنه على حق دائماً بينما يغوص غيره في مستنقع الباطل.
أحزاب المعارضة التركية لديها الحق في اتهام أردوغان بتغيير موقفه بناء على أجندة سياسية خاصة هي التي جعلته يشارك في حرب ظل عاماً كاملاً يرفض الانضمام إليها.
وتعتبر تلك الأحزاب أن أردوغان اتخذ قراره وعينه على الانتخابات.
وأنه يلعب بورقة الحرب لإثارة المشاعر الوطنية وبالتالي استقطاب الأصوات التي تذهب عادة للقوميين.
وبسبب الحرب أيضاً ونتيجة لحشد المشاعر ضد الأكراد يأمل أردوغان، بناء على هذا التفسير، في إضعاف فرص حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على الأكراد والذي حقق نتائج مفاجئة في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 80 مقعداً.
الأكراد أيضاً لديهم شيء من الحقيقة في اتهامهم لأردوغان لأنه بالفعل يبدو متحمساً لضرب حزب العمال أكثر من القضاء على «داعش». أما أردوغان فبدوره لديه منطقه فيما يقول ويفعل.
ومعروف أن إضعاف حزب العمال الكردستاني هو هدف استراتيجي تركي ثابت، ظل هكذا قبل ظهور أردوغان ودخوله المشهد السياسي، وسيبقى كذلك بعد رحيله.
ويعني إضعاف حزب العمال بالضرورة نسف تحالفاته الخارجية مع امتداداته في العراق وسوريا، وتقويض أسس قيام كيانات كردية هناك، لأن هذا من شأنه إحياء الآمال القومية للأكراد الأتراك بالاستقلال، وهو أمر غير مقبول من الدولة التركية
ومن ثم كان طبيعياً أن تشعر الدولة التركية، بالقلق العميق للنجاحات العسكرية التي حققها حزب الاتحاد الكردي السوري والمتحالف مع حزب العمال، حيث تمكنت قوات الحزبين من تحرير مساحات واسعة من الأراضي شمالي سوريا من أيدي «داعش» منذ العام 2012 وهو ما يوفر الأساس لقيام كيان كردي.
المعنى الواضح هنا هو أن دخول الحرب في هذه المرحلة مصلحة تركية في الأساس.
وبناء على ما تقتضيه هذه المصلحة فإن ضرب «داعش» ليس أولوية قومية من وجهة النظر التركية، من ناحية لأن التنظيم لا يمثل تهديداً مباشراً للأراضي التركية طالما بقي بعيداً عن الحدود، ومن ناحية أخرى لأن تلك مهمة يوجد من يتولاها نيابة عن أنقرة أي الولايات المتحدة.
بناء على هذه المعطيات دخل أردوغان الحرب لتحقيق المصالح التركية في الأساس.
وإذا كان هذا التطور سيفرز تأثيرات جانبية مفيدة له ولحزبه فلا بأس.
ولا ضير أيضاً من أن يؤدي في الوقت ذاته لإضعاف موقف خصومه في الداخل.
ولا توجد مشكلة كبيرة لو أغضب هؤلاء الخصوم لأنهم دائماً ناقمون عليه، كما أنه لا توجد حرب بلا خسائر، المهم النتيجة النهائية على كل الجبهات، وهذا ما يراهن عليه أردوغان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"