اليمين المتطرف يسعى للسلطة في البرازيل

04:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

منذ أيام بدأت معركة الانتخابات البرازيلية التي ستجري في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حيث سينتخب البرازيليون حكام الولايات ومجلس النواب وثلثي مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية الذي سيخلف ميشال تامر الذي وصل إلى الرئاسة خلفاً للرئيسة ديلما روسيف زعيمة حزب العمال التي أقالها البرلمان منذ سنتين.
للمرة الأولى منذ تطبيق الاقتراع العام في البرازيل العام 1989 بعد رحيل الدكتاتورية العسكرية (1964-1985)، ليس هناك من حزب أو مرشح يعتبر وصوله إلى رئاسة الجمهورية أمراً محسوماً. استطلاعات الرأي تتوقّع حصول مرشح حزب العمال (سواء كان الرئيس الأسبق لولا دوسيلفا الذي يقبع في السجن منذ إبريل/ نيسان الماضي أو فرناندو حداد في حال رفضت المحكمة العليا ترشح دوسيلفا)، على ما بين 30 و 40% من الأصوات، يليه اليمين المتطرف (20%) الذي سيزداد رصيده في حال ارتفعت نسبة المتغيبين عن الاقتراع، ويحل في المرتبة الثالثة اليمين التقليدي وفي الرابعة اليسار التقليدي.
وصول اليمين المتطرف إلى السلطة لم يعد بالأمر المستحيل وإن كان غير متوقع، إذ بات مؤكداً وصوله إلى الدورة الثانية من الانتخابات في سابقة تحصل للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
زعيمه «جاير مسياس بولسونارو» (63 عاماً) الضابط السابق في الجيش والنائب الذي كان مجرد ترشحه للرئاسة أمراً يصعب تصوره، ترى فيه صحيفة «الإيكونوميست» البريطانية «خطراً على الديمقراطية». وهو في الواقع يستفيد من فقدان الطبقة السياسية التقليدية لمصداقيتها، نتيجة الفساد المستشري في صفوفها، فيقدم ترشحه على أنه «ضد السيستم» أو «الإستابليشمنت»، تماماً كما سبق وفعل دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
المعروف عن بولسونارو عنصريته المعلنة حيال السود والنساء، وهو كنائب في البرلمان عن مدينة ريو دي جانيرو منذ العام 1991 لم يكن له نشاط تشريعي يذكر. ففي خلال 27 عاماً، لم يتقدم باقتراح قانون سوى مرتين. كلماته الصادمة تزيد من شعبيته لدى مؤيديه، لكن ينبغي الاعتراف بأن لديه ناخبين لا يحبذون أفكاره، لكنهم يجدون فيه الرجل القوي القادر على إصلاح بلد يجنح إلى الهاوية. وهذه الظاهرة باتت معروفة في العالم، حيث يصوّت الناخبون لليمين المتطرف، ليس إيماناً بأفكاره ولكن كصرخة احتجاج في وجه «السيستم» والأحزاب التقليدية.
وحين يقارن المعلقون كلمات وسلوك بولسونارو بالرئيس ترامب، فإنه يشعر بالإطراء والفخر. ويقارنه مراقبون آخرون بالرئيس الفيليبيني «دوترت» الذي شن حرباً دون هوادة على المخدرات وكرر الدعوات إلى قتل المذنبين. ويدعو بولسونارو إلى تشريع وتشجيع حمل السلاح (كما في الولايات المتحدة)، وذلك لمواجهة فقدان الأمن (64 ألف جريمة قتل تقريباً في العام 2017) وإلى تخفيض سن الرشد الجزائي لتنفيذ الأحكام القصوى إلى 16 عاماً بدل 18. وقال ذات مرة «إن رجل الشرطة الذي لا يقتل ليس برجل شرطة».
هذا الرجل الذي يشعر بالحنين إلى عصر الطغمة العسكرية، صوّت في البرلمان في العام 2016 لمصلحة إقالة الرئيسة روسيف، وأهدى تصويته إلى «ذكرى الكولونيل كارلوس أوسترا»، المدير السياسي لجهاز القمع خلال الحقبة الدكتاتورية العسكرية.
بولسونارو يتقدم للانتخابات، لكنه يسعى إلى دولة استثناء لأن «دولة القانون تعزز الفساد والكساد». وكان حليفه الجنرال المتقاعد أنطاليو هاملتون موراوو قد أيد علناً في العام 2015 «تدخل الجيش لوضع حد للأزمة السياسية».
كثيرون يعتقدون أن بولسونارو غير مهيأ على الإطلاق لمنصب الرئاسة، فهو لا يعرف شيئاً في الاقتصاد، ولا ينكر ذلك بل يعد بأن يسلّم ناصية الأمور الاقتصادية لمستشاره الليبرالي جداً باولوجيديس. وإذا حدث وفضّل عليه «الإستابليشمنت» مرشح اليمين التقليدي «جيرالدو الكمين»، فإن أرباب العمل سيتحالفون معه «كي يتلاعبوا به»، كما يقول أحد المعلّقين البرازيليين الذي يضيف بأن الأمر نفسه ينطبق على قطاع تجارة الزراعة الذي تغريه مسألة حمل السلاح ضد ما تفعله «حركة المحرومين من الأرض» حيال المالكين الكبار، كما الوعد بعدم الاعتراف بأراضي الأجداد للسكان الأصليين من الهنود الحمر والتي تطمع فيها الشركات متعددة الجنسية.
يبدو أن ظاهرة الشعبوية لم تعد مجرد صرخة احتجاج عابرة في وجه فساد «الإستابليشمنت» والطبقة السياسية التقليدية في هذا البلد أو ذاك، بل غدت عالمية غير محصورة بزمان ومكان محددين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"