فوز ترامب ..وصعود اليمين الأوروبي المتطرف

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

الصعود الانتخابي ل«الجبهة الوطنية» الفرنسية (التي تأسست في عام ١٩٧٢) في ثمانينات القرن المنصرم جعل من فرنسا استثناء في أوروبا وقتها. هذا الاستثناء انتهى اليوم، إذ إن كل دول أوروبا تقريباً تعرف تنامياً لليمين الشعبوي والمتطرف وصل إلى درجة اشتراك هذا اليمين في حكومات ائتلافية أحياناً (لاسيما في النمسا، البلد الأول في هذا المجال)، الأمر الذي لم يحصل في فرنسا بعد. لقد شكل ذلك سابقة ملفتة منذ الحرب العالمية الثانية، وأحدث جلبة سياسية كبرى في كل أوروبا. لكن منذ ذلك الوقت لم يعد مثل هذا الحدث يُحدث مثل هذه الجلبة، أكثر من ذلك بات الأمر اعتيادياً في النمسا حيث إ ن «حزب حرية النمسا» اليميني المتطرف استمر في النمو والازدهار حتى بعد وفاة قائده جورغ هايدر، عام ٢٠٠٨.
التصويت لمصلحة اليمين المتطرف، في عدد من البلدان الأوروبية، سببه الأساسي رفض المهاجرين، والمسلمين منهم بالتحديد والذين يُنظَر إليهم كتهديد للهوية القومية والقيم الوطنية.
في اليوم الأخير من حملته الانتخابية أعلن ترامب بأن نتيجة الانتخاب سوف تكون «بريكست بقوة ثلاثية». ولم تكن المرة الأولى التي يقارن فيها ترامب بين نتيجة الاستفتاء البريطاني في ٢٣ يونيو/‏حزيران الماضي، والانتخابات الرئاسية الأمريكية في ٨ نوفمبر/‏تشرين الثاني الحالي.
قائد حملة البريكست في بريطانيا نايجل فاراج كان حاضراً في اجتماع مؤتمر الحزب الجمهوري الذي صادق على ترشيح ترامب للانتخابات الرئاسية، قبل أن يساهم في حملته الانتخابية. بل إنه أعلن أنه سيكون سعيداً لو مُنحَ الجنسية الأمريكية كي يستطيع العمل مع الرئيس ترامب كسفير له في الاتحاد الأوروبي. وقد وجه تحية حارة لانتصار ترامب مؤكداً بأنه يتخطى في روعته، انتصار البريكست.
والحقيقة أن هذين الانتصارين يشكلان رفضاً واضحاً للطبقة السياسية في الغرب ويعكسان الفشل المزدوج لوسائل الإعلام ومراكز استطلاع الرأي. وهكذا يبدو بأن الاقتراب الزمني (أربعة أشهر فقط) ما بين ظاهرتي البريكست وترامب يشي بأن نتيجة الانتخابات الأمريكية ليست إلا تعبيراً عن رفض واسع يتخطى الحدود الأمريكية ليمتد إلى العالم الغربي بأسره.
ومن المؤكد أن اليمين الأوروبي المتطرف يجد نفسه في أطروحات ترامب، ويشاطره الكثير من الأفكار لاسيما تلك التي تتعلق بالهجرة، وهو الموضوع الأساسي الذي يحركه كل منهما. نايجل فاراج ليس السياسي الأوروبي الوحيد الذي انتقل إلى الولايات المتحدة لدعم حملة ترامب الانتخابية. زعيم اليمين الهولندي المتطرف جيرت ولدرز حليف مارين لوبان في البرلمان الأوروبي، حضر بنفسه مؤتمر الحزب الجمهوري الأمريكي. وقد هاجم بشدة سياسات الهجرة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي وندد بالتهديد الإسلامي ووصف التعددية الثقافية بأنها أخطر مرض تعانيه أوروبا.
في فرنسا كانت مارين لوبان الأسرع في تهنئة ترامب ومعه «الشعب الأمريكي الحر»، تبعها نائبها فلوريان فيليبو الذي تكلم عن «سنة صعبة جداً» للأوليغارشية، مضيفاً أنه «ينبغي أن تستفيق النخب في فرنسا من سباتها». في هنغاريا اعتبر رئيس الحكومة اليميني الشعبوي فكتور أوربان فوز ترامب ب «الخبر العظيم».
وهكذا فمن المؤكد أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض سوف يعطي دفعاً قوياً جديداً للحركات والأحزاب الشعبوية الأوروبية والتي تعرف صعوداً مطرداً منذ سنوات وتعلن عداءها ل«الاستابليشمنت» و«السيستم» والمشكلة أن هذه القوى تقترب حثيثاً من السلطة في أكثر من بلد أوروبي، على حساب اليمين واليسار على السواء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"