نحو تكريس الحكومات البرلمانية في المغرب

02:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
يشهد بلد عربي هو المغرب نهاية أزمة حكومية بتشكيل حكومة جديدة بعد مضي نحو 170 يوماً على إجراء الانتخابات النيابية، وتصدّر حزب العدالة والتنمية النتائج ب125 مقعداً من جملة المقاعد البالغة 395 مقعداً. غير أن هذه الأزمة التي انتهت كشفت في الوقت نفسه عن تماسك الخيار الديمقراطي وثباته. وتفسير ذلك أن التكليف اتجه نحو زعيم الحزب الفائز عبد الإله بنكيران، وذلك وفقاً للتعديلات الدستورية في العام 2011 التي قضت بإسناد رئاسة الحكومة للحزب المتصدّر النتائج. غير أن بنكيران واجه حالة من الاستعصاء بسبب اشتراطات متبادلة بين الأحزاب (بما في ذلك اشتراط منه بعدم إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة).
فلما امتدت حالة الاستعصاء إلى ما يزيد على خمسة أشهر، مارس الملك محمد السادس سلطاته الدستورية، وقام يوم 17 مارس الجاري بتكليف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة (سعد الدين العثماني وهو وزير خارجية سابق). واللافت في الأمر أن حزب العدالة لم يفقد فرصته أو حقه في تشكيل الحكومة رغم إعفاء بنكيران (الذي ما زال يقود حكومة تصريف الأعمال)، إذ تم تكليف العثماني وهو شخصية رفيعة في الحزب بهذه المهمة (يترأس المجلس الوطني في الحزب، وهذا المجلس يمثل برلمان الحزب). وقد ترددت يومها أنباء واسعة عن مطالبة حزب الأصالة والمعاصرة بإسناد تشكيل الحكومة إليه، باعتباره يحتل المرتبة الثانية في عدد المقاعد النيابية (102 مقعد) مع ما يلزم من تدبير دستوري، وذلك بعدما أخفق الحزب «الأول» بإنجاز هذه المهمة. إلا أن المراجع العليا لم تستجب لهذا المقترح، وكان أن تم إسناد تشكيل الحكومة مُجدداً إلى حزب العدالة ممثلاً هذه المرة بالعثماني. وحزب العدالة ذو مرجعية إسلامية لا يقيم صلات تذكر مع حركات إسلامية في الخارج، ولم يتسم أداء الحزب في الحكومة طوال السنوات الأربع الماضية بأي طابع إيديولوجي، ولم يتخذ إجراءات أو يتبع سياسات لأسلمة الحياة العامة.
ولا شك أن التشبث الرسمي بهذا التوجّه يعكس تمسكاً بمنطوق الدستور وروحه، ويستجيب لمقتضيات تطور النظام السياسي، ويبرهن على أن الالتزام بالآليات الدستورية الديمقراطية هو خيار لا رجعة عنه. جدير بالتنويه هنا أن ثمة خصوصية مغربية في هذا الشأن تتمثل في رسوخ الحياة الحزبية التي نشأت في فترة النضال ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، فكان أن نشأ حزب الاستقلال ممثلاً للحركة الوطنية في العام 1943، ثم تصدّر الحياة السياسية والعامة بعد استقلال البلاد ( 1956)، ومن زعمائه التاريخيين علال الفاسي وأحمد بلفريج ومحمد بوستة الراحل مؤخراً، ولكون الحزب قد ضمّ تيارات فكرية عديدة، فقد استقلت بعض هذه التيارات عنه تباعاً وأنشأت أحزابها الخاصة.
التوجّه نحو توسيع الحياة الديمقراطية وتأصيلها، يجد بذوره في خيار «التناوب التوافقي» حين كلّف الملك الراحل الحسن الثاني زعيم حزب المعارضة (حزب الاتحاد الاشتراكي) بتشكيل الحكومة، وقد قام عبد الرحمن اليوسفي بتشكيلها بالفعل في العام 1998 وظلّ على رأس الحكومة لأربعة أعوام. وكان اليوسفي على مدى ثلاثة عقود يتعرض إما لتوجيه اتهامات له تهدد باعتقاله، أو يمكث بمنفاه في فرنسا. كما جاء هذا الخيار في أجواء موجة الربيع العربي في العام 2011 وما أعقبها من إجراء تعديلات دستورية قضت بتشكيل حكومات برلمانية، بما يجعل التجربة المغربية تقترب من النموذج الغربي في تشكيل الحكومات.
ومع التنويه بخصوصية هذه التجربة وظروفها المحلية، إلا أنها تبقى محطة إلهام ومصدر إشعاع نحو الخارج، وذلك في ضوء تعثر التجارب الحزبية في العالم العربي لأسباب ذاتية تخص هذه الأحزاب، ولعوامل موضوعية أخرى، في ضوء ضيق فرص تطور النظام السياسي العربي. وبهذا فإن عسر تشكيل الحكومة في المغرب مثّل في جوهره أحد مظاهر الحيوية السياسية، ولا يعكس مأزقاً دستورياً أو سياسياً، خاصة بعدما نجح الرئيس المكلف في تخطي الأسباب والعوامل التي أدت للاستعصاء السابق الذي واجه بنكيران، علماً بأن نجاح العثماني في تشكيل حكومة ائتلافية من ستة أحزاب كان نتيجة إيجابية سائر مكونات الحياة الحزبية والسياسية، بما يؤكد جدّية الأحزاب ونجاعتها في تغليب الصالح الوطني، على الحسابات الفئوية الخاصة بها، وبما يستجيب لتطلعات الشعب المغربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"