الرشد والاتزان في قيادة الإمارات

05:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

في تاريخ الإمارات وبالذات في خلال الفترات التي ظهر فيها التدوين لهذا التاريخ، منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، لا يجد المرء في كل حدث من مجريات الأمور شيئاً يدل على أن قيادة هذه البلاد، قبل الاتحاد وبعده، قد مالت بها الظروف العصيبة في وقت من الأوقات عن جادة الرشادية والعقلانية والاتزانية في التعامل مع القريب والغريب . وكانت هذه الرشادية والعقلانية متجلية ومضيئة يشاهدها الناس في البعد والقرب في عهد القائدين الرشيدين، طيّب الله ثراهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم . وهذه الرشادية بادية للعيان في الأثر الذي تركه هذان القائدان الكبيران من بنيان عظيم الشأن، في كل مجال من مجالات الحياة، وأصبحت الإمارات رغم صغر عمرها، أحد أهم البلدان التي يضرب بها المثل في الأخذ بأسباب الحضارة الإنسانية والعالمية .

ومن البديهي أنه لم يكن من الممكن للإمارات أن تصل إلى هذه المكانة الرائدة لولا أن الله مَنّ عليها بالقيادة الرشيدة . فالقيادة الرشيدة هي الأساس القوي لأي بنيان حضاري ينشأ للمجتمع، وإذا أصاب هذه القيادة أي خلل في الاتزان، فإن ذلك يكون بداية لتسرب السقام في مفاصل الأمة، وهذه حقيقة يخبرنا بها التاريخ في ما مضى وفي ما حضر . والواجب يحتم علينا الدعوة الدائمة إلى أن تكون الإمارات في طليعة الدول التي تتعامل في أمورها الداخلية والخارجية بسياسة الاتزان والعقلانية التي تحفظ لها كياناً قوياً لا تهزه أية عاصفة تهب هنا أوهناك .

والجميع يعلم أن الإمارات تعاملت من البداية مع المشكلات التي نجمت عن قيام إيران بسلب أملاكها وجزرها الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى في العام ،1971 تعاملت بالعقلانية والرشادية، وطالبت باستعادة حقوقها بالطرق السلمية واللجوء إلى طرق العدالة الدولية، رغم التحريض الانفعالي من قبل القوى الراديكالية في العالم العربي طوال السبعينات والثمانينات والسنين التي تلتها، لكي تتخذ الإمارات موقفاً متشنجاً تجابه به إيران، واستمرت الإمارات ملتزمة بالثوابت في سياستها الداعية إلى حل مشكلاتها ومشكلات غيرها من الدول بالطرق السلمية .

ومن يمن الطالع أن تستمر قيادة الإمارات الحالية على السير في النهج الذي رسمته لنفسها، وتتمسك القيادة بتلك السياسة المرسومة ولا تحيد عنها . وقد ظهرت رشادية القيادة في قرار مجلس الوزراء الأخير الذي أكد فيه الحرص على إقامة علاقة طيبة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالرغم من الاستفزاز غير الودي والمتشنج الذي لجأت إليه القيادة الإيرانية في الآونة الأخيرة، وإثارة مشكلات لم تكن متوقعة في وقت كانت العلاقات بين الإمارات وإيران تسير في طريق غير متعرج المسالك، وكاد البلدان يصلان إلى تفاهم على تعيين خبراء من الطرفين للتمهيد لمباحثات جديدة عن الجزر التي تملكها الإمارات .

وقد أثبتت الإمارات بالقرار الذي أصدره مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي بقيادة رئيسه الرشيد، الشيخ محمد بن راشد، أنها أكثر حرصاً من القيادة الإيرانية في الحفاظ على العلاقات الطيبة، وخلق جو من الصداقة مع إيران الجارة التي تربطها بالإمارات روابط من حسن الجوار تعود إلى قرون من الزمن، وأن الحوار المبني على الموضوعية والعقلانية خير من التشنّج والاستفزاز وإثارة البغضاء .

وتقع الكرة الآن في الملعب الإيراني لكي تبادل الإمارات نفس المشاعر الودية ونفس الحرص على تجنب ما من شأنه ملء النفوس بالتوتر، خدمة لمصلحة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة التي نعيش فيها .

mailto:[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"