الانحطاط بالقومية إلى دَرَكٍ عنصري

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

واصلت التيارات الأشد تطرفاً في «الدولة العبرية» حملتها؛ لتعزيز الطابع العنصري لهذه الدولة المارقة؛ عبر سن ما سُمّي ب«قانون الدولة القومية» في الكنيست. القانون يتحدث عن كون «أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي». الأرض، التي يجري التطرق لها هنا لا حدود لها، وبما يجعلها دولة قومية متميزة حقاً ! فبعد سبعة عقود من إنشاء هذه الدولة على أرض فلسطين؛ فإن هذه الدويلة لا تعرف حدوداً لها بعد؛ والهدف هو تهيئة الأذهان للتوسع نحو الضفة الغربية المحتلة، والاستيلاء عليها. وهذه الدولة حسب هذا القانون المريض؛ هي وطن «الشعب اليهودي»، ولا شك أنه اختراع مهول، أن يتم إدراج المجموعات البشرية كشعوب، حسب الدين الذي تعتنقه، وبهذا تنقسم شعوب العالم إلى: شعب مسيحي وثانٍ مسلم، وثالث هندوسي، ورابع بوذي، وآخر يهودي، وهو ما لم يفطن له المنظرون للحركات القومية ولنشوء الدول!.
بهذا يسمح هذا القانون الأخرق بطمس حقوق أبناء البلاد من غير اليهود، لمصلحة يهود وافدين من وراء البحار. والديمقراطية المزعومة والليبرالية المدعاة باتت تسمح بإضفاء سمة دينية خالصة على كيان ما؛ وحيث يصبح التصنيف الديني معياراً أول وأكبر لمنح الحقوق أو سلبها. مع ما في ذلك من تزكية للصراع الديني وتأجيجه بين البشر؛ وذلك هو ناموس الحركة الصهيونية، التي تجعل الانتماء الديني وعاء لعلمانية ذرائعية زائفة، مترعة بالهذيان الإيديولوجي.
وسبق ل«تل أبيب» أن دعت الجانب الفلسطيني، للاعتراف بيهودية الدولة القائمة، وهو طلب لطالما قوبل بالرفض التام؛ لما يحمله من تزوير فاضح للتاريخ الحي القريب، ومن تبجح معهود، فالانتداب البريطاني رغم تواطئه المشين مع الحركة الصهيونية إلا أنه واظب على تسمية أرض فلسطين باسمها التاريخي، وينسحب الاسم على أبناء فلسطين المُتجذرين في وطنهم التاريخي، والمداومين على الانتساب إليه جيلاً تلو جيل، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ولفرط ما يحمله هذا القانون من عنصرية فجة؛ فإن نحو 42 نائباً ينتمون لأحزاب يهودية؛ منها حزب العمل، قد عارضوا مشروع القانون، وهو ما فعلته القائمة العربية المشتركة ( 13 نائباً)؛ وذلك من جملة النواب ال120، الذين يتكون منهم الكنيست. وكان طريفاً أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد اعتبر أن القانون يعكس حجم الأغلبية وخيارها!، والمقصود الأغلبية اليهودية المجلوبة من الخارج، والتي جرى إحلالها بالقوة الغاشمة محل أبناء البلد، وتوطينها في أرض هؤلاء وفي بيوتهم. وبينما تعني الأغلبية لدى دول العالم وشعوبها، الكتل السياسية أو الحزبية، فإنها في مفهوم نتنياهو، تقتصر على الانتماء لدين معين؛ حيث يجري تغليب أتباع هذا الدين على كل ما عداهم ثم الادعاء بعدئذ أن هؤلاء يشكلون قومية قائمة بذاتها، رغم انتمائهم التاريخي والجغرافي لبلدان شتى، ومجتمعات مختلفة في الشرق والغرب. وبهذا يتضح كم أن هذه الأغلبية ملفقة ومفتعلة، ويجري تصنيفها على هذا النحو؛ لغايات عنصرية وتوسعية تجافي قيم العصر والمواثيق الدولية، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة.
وواقع الحال أن هذا القانون الشائن لا يتوقف عند أتباع شرعية متهافتة على نهج عنصري ثابت ومنتظم، رافق نشأة هذه الدويلة وواكب نموها؛ إذ إن أهدافه تمتد لشرعنة الغزو الاستيطاني للأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث اعتبر القانون«الاستيطان قيمة وطنية»؛ وعليه فإن «إسرائيل» لا تتورع ولا تخجل من احتساب اللصوصية والسطو المسلح على أراضي الغير، أنه يمثل قيمة وطنية.
وفي ضوء ما تقدم، فإن عتاة اليمين الصهيوني المتطرف، لا يجدون ما يدعوهم لانتظار صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المُسماة «صفقة القرن»، فهم يقومون بتغيير الوقائع على الأرض، ويسمون جزءاً منها عاصمة لاحتلالهم، ويسبغون شرعية على التغول الاستيطاني، فلا يتركون للصفقة العتيدة ما يمكن أن تأتي به من جديد؛ بعد أن أبرموا هم مع أنفسهم، صفقة؛ لتكريس اللصوصية والاستيلاء المسلح على الأرض، تماماً كما تسيطر عصابة إرهابية ما على مدينة هنا أو مدينة هناك؛ وحيث تعد هذه العصابة أن ما تملكه من أسباب الرعب والترويع يكفي لإضفاء شرعية على جرائمها؛ وذلك في استعادة لأسوأ ما في تاريخ البشرية من تعديات وفظائع بحق الشعوب والأقوام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"