كركوك.. المخاطر والتداعيات

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

ما يجري في كركوك، من اشتباكات بين القوات العراقية، والبيشمركة الكردية، كان متوقعاً، ولم يأتِ هكذا من دون مقدمات، وإنما كان تحصيل حاصل لإمعان القيادة الكردية، بالمضي قدماً في مخطط خطر من شأنه ليس إلحاق الأذى بالعراق، وتهديد وحدة أراضيه، وإنما بالمنطقة كلها، وأن مرور المخطط الكردي هذا سيفتح الطريق أمام سيناريوهات خطرة جداً، وهذا ما يفسر قرار الحكومة المركزية في بغداد، بوضع الحل العسكري على الطاولة بشكل جدي، حيث تمكّنت القوات العراقية من السيطرة على عدد من المناطق في كركوك، مع استمرارها في التقدّم في أحياء المدينة، بعد سيطرتها على منشأة غاز الشمال، ومركز الشرطة، ومحطة توليد كهرباء المدينة.
ومع أنه لا يمكن لعاقل أن يرى في الصدام بين الجيش العراقي والأكراد في شمال العراق، أمراً إيجابياً، بسبب الظروف والمعادلات الجيوسياسية المعقدة لهذه المنطقة، إلا أن نجاح المخطط الكردي ، يعني إلحاق الأذى بجميع مكونات الشعب العراقي، وعلى العراق كوطن يجمع كل هذه المكونات تحت سقف واحد.
لاسيما أن التاريخ يثبت أن النوايا الحسنة لا تكفي دائماً لدرء المخاطر التي قد تحيق بالأمة وتهدد مستقبلها، وأن دوافع الصراعات على اختلافها، وتضارب المصالح هو الذي ظل وما زال يسيّر حركة التاريخ الإنساني.
وهذا ما يبدو واضحاً في الأزمة التي لا يعيشها العراق وحده، وإنما المنطقة العربية بأسرها، حيث تلعب المصالح الأجنبية دوراً فاعلاً في تسعير الصراعات القائمة، وتوليد صراعات جديدة، تصب في نهاية المطاف في مصلحة القوى المعادية للأمة العربية، وعلى رأسها الاحتلال العنصري الصهيوني، الذي يترصد أي فرصة تتاح له، للعبث في الأمن القومي العربي، والسعي لخلق كيانات ذات صبغة دينية، أو طائفية، تبرر وجوده ككيان غريب في هذه المنطقة.
ولذلك يمكن القول: إن الأزمة القائمة حالياً بين الحكومة المركزية، وإقليم كردستان العراق، والتي وصلت إلى مرحلة استخدام السلاح، تثبت من جديد إصرار القيادة الكردية على المراهنة على الدعم الخارجي، للمضي قدماً في مشروع ليس الانفصال عن العراق فحسب، وإنما اقتطاع المزيد من الأراضي المتنازع عليها، ولاسيما كركوك، ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة للعراق، وهو ما اضطر الحكومة المركزية في بغداد إلى التحرك عسكرياً بعدما وصلت إلى طريق مسدود كل محاولات حل هذه الأزمة بطرق سلمية.
ولعل المتتبع للشأن العراقي، يلاحظ بوضوح كيف أن القيادة الكردية بزعامة مسعود البرزاني، حاولت استغلال الظروف التي يمر بها العراق، ولاسيما في عام 2014 في أعقاب سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على أغلب مناطق كركوك الغنية بالنفط، على الرغم من أن الطرفين سواء الجيش العراقي أو البيشمركة خاضا الحرب ضد «داعش» سوية.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية العراقية التي كانت تؤكد عدم نية بغداد في الدخول في صراع مسلح مع البيشمركة الكردية، ولاسيما على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يؤكد أيضاً رفضه أن تدار المناطق المتنازع عليها من قبل «هيئة مشتركة»، غير أن تطورات المشهد السياسي والعسكري في هذه المنطقة، لا تشير إلى انفراج قريب، نظراً لتضارب المصالح بين القوى الإقليمية، التي تحيط بالعراق، وإصرار القيادة الكردية على المضي قدماً، في مشروع خطر، بالاعتماد على دعم خارجي واضح الهوية والأهداف.
وهذا يفسر عملياً هذه الاشتباكات التي توقعها الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين. زد على ذلك أن القوى الخارجية الداعمة للقيادة الكردية لن تتوقف عن دعمها للسياسات الخطرة التي يتبنّاها صانع القرار الكردي، طالما أن هذه السياسات تصب في محصلتها النهائية في مصلحة مشاريع التقسيم التي تحاك هنا وهناك.
ومن هنا يمكن القول، إن الصراع العسكري الأوسع بين الجيش العراقي والأكراد في شمال العراق قد يصبح حتمياً، ما لم تتراجع القيادة الكردية عن خطواتها الانفرادية، وتعود إلى جادة الصواب، من خلال التفاهم والحوار السياسي المفتوح والبنّاء مع بغداد، لاسيما أن الأكراد سيكونون الخاسر الأكبر، فيما لو استمر التصعيد العسكري بوتيرته الحالية، لأن وحدة العراق تظل في النهاية عامل قوة لكل أطياف الشعب العراقي وفي مقدمتهم الأكراد أنفسهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"