لا سلام من دون أمل

05:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

لم يكن انخراط الملايين من شباب وكهول ونساء شعب اليمن في قائمة ثورات وحراكات ما يسمى «الربيع العربي» سنة 2011 مفاجئاً لمن يعرفون قدرة شعب هذا القطر العربي على القيام بتغييرات مجتمعية كبرى. فانتفاضته ضد نظام حكم الإمامة المتخلف المستبد في منتصف القرن الماضي، ونجاحه النضالي في توحيد شطري الشمال والجنوب من بلاده، ثم انخراطه في حراكات «الربيع العربي» بسرعة وتميُّز سلمي وخروج على كل خلافات الماضي وعبثياته.. كلُّها شواهد على حيوية نضالية متميّزة. وكان من الممكن أن ينجح شعب اليمن الشقيق في انتفاضته الأخيرة وينتقل من حكم دكتاتوري قبلي إلى نظام ديمقراطي يصهر في مواطنيته الجامعة كل تعدديات تكويناته القبلية وولاءاته الإيديولوجية، لولا النجاح في إدخاله في أتون وحرائق انعطافات انتهازية تآمرية، ليصل إلى الجحيم المأساوي التدميري اللاإنساني الذي يعيشه الآن.
المنعطف الأول تمثل في إيقاظ حلم أقلية مذهبية بضرورة الرجوع إلى نظام الحكم الإمامي السابق المستند إلى ادعاءات تاريخية تخطاها الزمن، وعلى أساطير فقهية تتناقض كلياً مع كل مقومات الدولة الحديثة. وهو حلم يحصر رئاسة الحكم في أفراد تلك الأقلية المذهبية، وبالتالي يرفض الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية.
وبهذا الطلب أراد هؤلاء محو آخر ستين سنة من الحياة السياسية اليمنية الحديثة وإرجاع عقارب الساعة التاريخية إلى الوراء. وبه أيضاً أرادوا تهميش الأكثرية الساحقة من القوى السياسية اليمنية ومن المواطنين اليمنيين، نسفاً لدستور اليمن الجديد المقترح، وانتكاسة للتوافق الوطني المتوازن الذي ارتضته جميع القوى دون استثناء، بمن فيها ممثلو تلك الأقلية المذهبية وذلك أثناء مناقشات المؤتمر الشعبي الوطني الجامع، الذي كان في طريقه لطرح دستور جديد واقتراح خطوات تنقل اليمن إلى مشارف نظام ديمقراطي فيدرالي متوازن.
أما المنعطف الثاني فهو محاولة الاستعمال الانتهازي لأجواء المنعطف الأول ومطالبه المذهبية التعجيزية من قبل الحاكم الدكتاتوري السابق، الذي أجبره الحراك الشعبي الكبير على التنحّي عن الحكم، ولكن دون مسّ بثروته المالية الهائلة ونفوذه القبلي الكبير. تمثّلت تلك الانتهازية المجنونة في تسهيل استيلاء ميليشيات تلك الأقلية المذهبية على أسلحة الجيش اليمني الوطني وعلى مجموعة من معسكراته، وذلك في سبيل حصوله في المستقبل على دعم سياسي وأمني من قبل تلك الأقلية ورجوعه إلى الحكم الذي فقده. لكن السّحر انقلب على السّاحر وانتهى بموته مقتولاً بدم بارد من قبل من ظنّ أن باستطاعته استعمالهم لتحقيق طموحاته الشخصية المجنونة.
ليس الهدف سرد تاريخ المشهد اليمني المأساوي خلال أقل من عقد من الزّمن، فالبكاء على اللبن المسكوب لن يفيد. الهدف هو إظهار مقدار تعقيدات المشهد اليمني وفداحة المصير المأساوي الذي وصل إليه شعب اليمن العربي الشقيق بفعل عوامل كانت خارج إرادته وما طرحته ملايينه في سنة 2011 من شعارات وأهداف الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. اليوم وصلت نسبة الفقر المدقع إلى ثمانين في المائة، والبطالة إلى أكثر من خمسين في المائة.
في ظلّ هكذا دمار يجري الحديث عن التوقُّف عن الحل العسكري والانتقال إلى الحل السياسي الذي يراد له أن يعيد السلام إلى تلك الأرض العربية المنكوبة. هذا استنتاج معقول ومطلوب.
لكنّ، وهذا بيت القصيد، السلام وحده لن يكون كافياً ما لم تصاحبه جرعة كبيرة من الأمل. السلام في ظل ذلك الدمار البشري والعمراني سيكون قابلاً للانتكاس في أية لحظة.
مفتاح جرعة الأمل لن يكون في يد إيران أو أمريكا أو دول أوروبا المتباكية، بل في يد مجلس التعاون الخليجي. والأمر يجب أن لا يقتصر على إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، ثم ترك اليمن يعود إلى العيش تحت ظل فقره السابق ومحدودات قدراته التنموية والمعيشية والخدماتية الأساسية.
نحن هنا نأمل بأن قادة دول مجلس التعاون قد تعلموا من دروس ما حدث وبدأوا في التفكير الجدّي بإدخال اليمن في مجلس التعاون، وهو المطلب الذي نادى به الكثيرون طيلة عمر المجلس. ولن يكون هذا الإدخال منّة، فاليمن لديه إمكانيات هائلة للتنمية لو توفرت الاستثمارات الخليجية، ولديه شعب ذكي نشط منتج لو توفرت فرص العمل. وبالتالي فإنه سيكون إضافة للمجلس، وليس عبئاً عليه.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، سنكون قد ربطنا مشروع السلام المطروح ببناء الأمل، من أجل أن يكون سلاماً دائماً، وليس مؤقتاً. وسنكون قد استجبنا لالتزامات الأخوة العروبية والإسلامية، وأبعدنا اليمن الشقيق عن أن يكون ورقة في يد قوى إقليمية مجنونة، أو في يد قوى صهيونية استعمارية متآمرة حاقدة.

dramfakhro@gmail. com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"