«بزنس» إشعال الحروب

04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
كما أن الإرهاب لن يتوقف ما دامت أسبابه قائمة لا تعالج، وجذوره عميقة لا تجتث، فإن الحروب بدعوى مكافحة الإرهاب أو لأي سبب آخر لن تتوقف لأن لها هي الأخرى أسبابها ودوافعها التي تضمن استمرارها. ولأنها تجد دائما مستفيدين يوقدون نيرانها سعيا لمكاسب سياسية ومالية.
الحرب الأمريكية على الإرهاب ليست هي الحرب الوحيدة التي تخوضها واشنطن بنفسها أو عبر وكلائها. والحروب الأمريكية ليست بدورها هي الحروب الوحيدة التي يشهدها العالم الذي يبدو أن كل دوله تقريبا تنخرط بصورة أو أخرى في حرب خارجية أو صراع داخلي. ليست هذه مبالغة بل واقع ترصده دراسة لمعهد الاقتصاد والسلام في لندن تثبت أن 11 دولة فقط في العالم لا تخوض أو تشارك في أي حروب أو صراعات داخلية أو خارجية. بينما تشارك 151 دولة من أصل 162 دولة في العالم في حروب أو صراعات المسلحة.

وبما أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم فمن الطبيعي أن تكون صاحبة النصيب الأكبر من هذه الحروب والصراعات. ومن الناحية الرسمية لا تنفذ القوات الأمريكية عمليات قتالية حاليا إلا في ست دول فقط هي سوريا والعراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال. أما عمليا فهناك قوات وبعثات عسكرية أمريكية تنتشر في 134 دولة تقوم بأغراض التدريب وتقديم الاستشارات العسكرية والإشراف على العمليات والمراقبة.

وينسجم هذا الوجود العسكري الواسع للولايات المتحدة في العالم مع تاريخها الذي يبدو أنه سلسلة من الحروب والصراعات، أو هكذا تقول كتب التاريخ. ومنذ تأسيسها عام 1776 ظلت الولايات المتحدة تخوض حروبا داخلية ثم خارجية لمدة 222 عاما أي 93% من عمرها البالغ 240 عاما. وهذا يعنى أن فترات السلام التي عاشتها بلا حروب تقل عن عقدين فقط من الزمان.
الثابت أيضا أن الولايات المتحدة لم تكن مضطرة في غالبية الأحوال لخوض تلك الحروب، ولم يكن هناك تهديد مباشر يدفعها لاستنفار جيوشها. ومنذ الحرب العالمية الثانية شهد العالم 148 صراعا مسلحا كانت واشنطن البادئة في 102صراع منها أي بنسبة 81% من الصراعات. النتيجة المروعة لتلك الحروب الأمريكية تمثلت في مصرع نحو 30 مليون إنسان معظمهم من المدنيين الأبرياء.
يطرح هذا الواقع المخيف تساؤلا بديهيا عن مبررات خوض الولايات المتحدة لكل تلك الحروب سواء بنفسها أو عبر وكلائها وحلفائها. هنا ينصح الصحفي الأمريكي روبرت فانتينا الراغبين في العثور على إجابة، بالبحث عن حركة المال لفهم أسباب ودوافع التعطش الأمريكي الدائم للحرب واستخدام القوة. وبالفعل فمن يتتبع حركة المال سيقف سريعا على حقيقة ذات وجهين مهمين. أولهما أن شركات إنتاج السلاح الأمريكية تتبرع بسخاء لتمويل حملات المرشحين في الانتخابات ما يجعل هؤلاء يؤيدون في نهاية المطاف ضغوط هذه الشركات لمشاركة بلادهم في الصراعات الخارجية. وخلال العام الماضي كانت ثلاث من أكبر خمس شركات مقدمة للتبرعات للجان العمل السياسي «اللوبي» هي شركات عسكرية.
الوجه الآخر لتلك الحقيقة يظهر أن شركات السلاح تسعى دائما لزيادة مبيعاتها سواء للجيش الأمريكي أو للدول الأخرى. واستمرار الحروب أو على الأقل التوترات يضمن رواج تلك التجارة وجني المزيد من الأرباح.
الأرقام المعلنة تؤكد ذلك. ووفقا لأحدث تقرير لمعهد أبحاث السلام الدولي في استوكهولم فإن الولايات المتحدة تتصدر حالياً وللعام الخامس على التوالي تجارة السلاح في العالم بحصة تبلغ 33%. وتشمل قائمة عملائها ما لا يقل عن 96 دولة. أي أن نصف دول العالم تقريبا يشترى الأسلحة الأمريكية. علما بأن 40% من الصادرات العسكرية الأمريكية تذهب إلى الشرق الأوسط.

وخلال العام الماضي وحده بلغت صادرات الأسلحة الأمريكية للعالم 46,6 مليار دولار، بعد أن كانت 36,2 مليار دولار في العام الأسبق والذي سجل زيادة بنسبة 35% عن عام 2013. تكشف هذه الأرقام إلى أي حد أصبح إنتاج السلاح وتصديره تجارة دولية رائجة يرتبط ازدهارها باستمرار الحروب والصراعات المسلحة. وهكذا تستمر الدائرة الخبيثة: شركات سلاح عملاقة تربح المليارات، وأوطان تتمزق وملايين يدفعون الثمن من أرواحهم.

عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"