حروب الفضاء المقبلة

04:16 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

لم يفاجئ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحداً عندما أعلن تشكيل قيادة عسكرية مخصصة للفضاء، والتحاق بلاده رسمياً بالدول الكبرى الولايات المتحدة وروسيا والصين التي دخلت سباقاً في هذا المجال، وبدأت تنفذ خططاً لتسليح الفضاء وفرض السيادة والنفوذ فيه، بما يمكن من السيطرة المطلقة على الأرض.
يعزز الإعلان الفرنسي التوجه القائل بأن الفضاء سيكون «ساحة القتال» في المستقبل، فمن المتوقع أن يشهد حروباً ضارية بعيداً عن عالم البشر. وقبل عقود كان هذا الأمر ضرباً من الخيال، ولكنه اليوم أصبح حقيقة تنخرط فيها الدول العظمى وتخصص لها خططاً وموازنات ضخمة. فالفضاء مازال يغري بالغزو والاستكشاف، والقوى الكبرى في الأرض لا تقنع بما تمتلك عليها، ولا تكف عن سبر أغوار الكون التماساً لأسباب القوة. وهذه طبيعة في الجنس البشري، ففي القرون الوسطى كان اكتشاف عوالم ما وراء البحار ظاهرة اندفعت إليها الدول الأوروبية، وعبرها تم الوصول إلى القارة الأمريكية والجزر البعيدة في المحيطات الخمسة. وبسبب ذلك أصبح لفرنسا وبريطانيا وهولندا وإسبانيا أراض في ما وراء البحار تخضع لقوانينها وسيادتها. وبعدما لم تتبق منطقة على الأرض غير معروفة، يتم نقل المنافسة إلى الفضاء الرحب ذي المدى غير المحدود، وربما سيستغرق الصراع هناك مئات السنين، من دون الحسم بالنتيجة النهائية.
رغبة الدول الكبرى في الهيمنة على الفضاء تأتي استكمالاً للمواجهة على الأرض، في ظل اشتداد المعارك المعلوماتية وعمليات التجسس والتشويش، وليست الغاية عسكرية فقط، بل اقتصادية وتجارية بالدرجة الأولى إذ توفر السيادة في الأجواء العالية فرصاً لبناء بنى تحتية تسهل المراقبة وتتبع الأسواق وكشف ثغرات الخصوم، إضافة إلى البحث عن مصادر الطاقة، مثل الصين التي تخطط لبناء محطة فضائية تنتج الطاقة الشمسية لتزويد من يشتري على الأرض. ولروسيا مشروع لنصب قواعد عسكرية تمكنها من الإحاطة بالكوكب الأخضر، والقدرة على مباغتة أي نقطة فيه. وللولايات المتحدة مشروعها أيضاً، إذ وقع الرئيس دونالد ترامب قبل أشهر أمراً بتشكيل قوة فضائية أسوة بروسيا، تكون إضافة جديدة للقوات الأمريكية المسلحة للتعامل مع أي تهديد في الفضاء، وها هي فرنسا تصبح القوة الرابعة، وبعد سنوات ستلتحق دول أخرى بالسباق، وربما يأتي زمن تصبح السيادة والاستقلال ليسا بما تملك الدولة على الأرض، بل بما تهيمن عليه في الأجواء العالية.
في السابق، كان الفضاء لغزاً محيراً وعالماً تسوده الأشباح ومصدراً للخطر، إذ كثيراً ما يتم الحديث عن كائنات غريبة تهدد البشرية. وفي العام 2016، كشفت وثيقة مسربة عن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تحذيره نظيره الروسي فلاديمير بوتين من هجوم محتمل لكائنات فضائية، وطالبه ببناء نظام دفاعي مشترك يحمي الأرض من أي تهديد. وما طلبه أوباما ها هو يتحقق جزء منه، من خلال النصب الفعلي لأسلحة وصواريخ ليس ضد كائنات فضائية غريبة، ولكن ضد البشرية نفسها التي قد يقودها الطموح والرغبة في التفوق إلى الصراع بين الكواكب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"