تأثيرات إيجابية منتظرة للمصالحة الخليجية

04:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي
إذ تشكل المصالحة الخليجية واحدة من أبرز النقاط المضيئة في سجل العام الموشك على الانصراف، فإن الآمال تتجه لأن يكون لهذا التطور الإيجابي انعكاسه الملموس على فاعلية مؤسسة مجلس التعاون الخليجي، كما على أداء الجامعة العربية، وعلى مجمل الوضع الإقليمي .
من المهم في ضوء ما تم التوصل إليه من اتفاق أخذ طريقه إلى التنفيذ أن يتحول مجلس التعاون إلى مرجعية مؤسسية ثابتة يُعتدّ بها، وأن يتمكن المجلس من وضع محددات لسياسات عليا تضبط التباينات والخلافات متى وقعت، كما هي الحال في مؤسسات الاتحاد الأوروبية العليا، علماً بأن هذه المؤسسات تعكس رأي الإطار الاتحادي الذي يضم في النهاية دولاً مستقلة ذات سيادة كحال دول الخليج الست . وبمعنى أن الصيغة الاتحادية الأوروبية لا تمس سيادة الدول السبع والعشرين أو تقفز عنها، لكنها تمنح ثقلاً لدول القارة في سائر المحافل الدولية . ولئن كانت دول مجلس التعاون لا يجمع بينها اتحاد، إلا أن تقدم صيغ التعاون يجعل هذه الدول مؤهلة للإفادة من تجارب متقدمة كتجربة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وبالذات المفوضية الأوروبية التي تنطق باسم جميع الدول الأعضاء، وتتحرك دولياً على هذا الأساس .
ولا بد في الاتجاه ذاته من تفعيل مجلس قضائي يبتّ في المنازعات متى وقعت، فلا يعقل الاحتكام إلى جهات أخرى، فيما دول المجلس تمتلك ما بينها صيغة تعاون متقدمة، وفي الاتجاه ذاته لا بد من تطوير صيغ مجالس الشورى في كل بلد بما يأذن باعتماد هذه المجالس وصيغتها الجماعية كمرجعية تشريعية لمجلس التعاون . علماً بأن هيئات الاتحاد الأوروبي العليا تستند الى البرلمان الأوروبي في أي تشريعات جماعية . ولئن كان لكل بلد عضو الحق باعتماد اجتهاداته الخاصة في مختلف الشؤون كحق سيادي، لدول مستقلة، فلأنه من الأهمية بمكان أن يترافق ذلك مع بلورة مؤسسات عليا لمجلس التعاون، تسهر على احترام السياسات العليا والأهداف العامة والأساسية المتفق عليها بين الدول الأعضاء .
وإذا كانت النخب الخليجية تأخذ وعن حق على مؤسسة الجامعة العربية ضعفها وعجزها عن الحفاظ على الأمن الجماعي العربي والبت بالمنازعات بين الدول الأعضاء، وذلك لكون مؤسسة الجماعة مرهونة كلياً لإرادات الدول الأعضاء فإنه حَريّ بهذه النخب أن تسهم بتطوير مجلس التعاون كمظلة ومنصة جماعية للدول الست، بحيث يكون حال المجلس أفضل بكثير من حالة مؤسسة الجامعة التي يطبع وجودها الشلل وانعدام الفاعلية .
وأبعد من ذلك، فإن تماسك مجلس التعاون وفاعليته من شأنه ما أن ينعكس ولو جزئياً بالإيجاب على الجامعة العربية المشلولة، وذلك لما يمثله مجلس التعاون من وزن سياسي واقتصادي واستراتيجي ومعنوي داخل الإقليم العربي وحتى لتمويل الجامعة وهيئاتها . وتكفي الإشارة إلى ترؤس الدول الست دورات المجلس الوزاري للجامعة لتبيان أهمية مجلس التعاون في تفعيل نشاط الجامعة، وإن كانت هناك بالطبع عوامل أخرى لا تقل أهمية في التفعيل المأمول للجامعة التي شهد العام 2014 غيابها بصورة شبه كلية في التأثير في مجرى التطورات العربية، ومن هذه العوامل على سبيل المثال عودة مصر المأمولة للعب دور أقوى على الساحة العربية وبما يصب في مصلحة مصر والأمن الجماعي العربي، بما فيه أمن الشعوب وكرامتها وحقوقها وعلى سبيل المثال الحق بالتنقل في أرجاء العالم العربي! . .
إلى ما تقدم، فإن من شأن المصالحة الخليجية الواسعة، والتقريب السياسي الذي تم بين الدول الست أن ينعكس بالإيجاب على بعض البؤر المتوترة في منطقتنا، إذا ما توفرت الإرادة السياسية لذلك . وأقرب مثال هو الوضع الليبي الشديد التدهور الذي يهدد مُقدرات الشعب العربي الليبي ويستنزف ثرواته بل ويغلق طريقه نحو المستقبل . ويعرف المرء أن لدول المجلس (أو لدولٍ في المجلس!) دالّة وتأثير في فرقاء النزاع الليبي . وعليه وبالتعاون مع دول جوار ليبيا وبالذات مصر وتونس والجزائر، فإنه يسع مجلس التعاون وبعد الانسجام السياسي الذي تم بين الدول الأعضاء، ممارسة مثل هذا التأثير الايجابي في الوضع الكارثي في بلد شقيق، بعد ما تبين على مدى هذا العام أن دول جوار ليبيا بحاجة إلى مساهمات أخرى للتأثير في الوضع الليبي الملتهب . ولا شك أن إطفاء بؤرة اللهب الليبية سوف تُشيع مناخاً من الأمل لدى جوار ليبيا، وكذلك في ضبط موجة العنف المسلح التي تستشري في منطقتنا، وحيث تشكل ليبيا رافداً لهذه الموجة، ومصباً لها في الوقت ذاته .
وليبيا رغم أنها ليست دولة حدودية مع الخليج، هي مجرد مثال على آفاق التحرك الممكنة أمام مجلس التعاون الخليجي للتأثير خلال المرحلة المقبلة في الوضع الإقليمي، وصولاً إلى التحضير للقمة العربية المقبلة التي تعقد عادة أواخر مارس/آذار من كل عام، بحيث تتم بلورة مواقف خليجية متسقة تصب في إطار إنقاذ العمل العربي من وهدته، ومنح أمل للشعوب، والإسهام في إيقاف موجة التناحر التي تغذيها بعض المصالح الإقليمية من خارج العالم العربي .
وفي نهاية المطاف فإن مجلس التعاون وإن كان يمثل الدول الست الأعضاء حصراً ، فهو الى جانب ذلك مؤسسة عربية تبرهن على نجاح فكرة العمل الجماعي ضمن البيت العربي، ومن هنا تتجه اليها الآمال لممارسة تأثير أكبر في المرحلة المقبلة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"