علاقة ملتبسة بين الصين وروسيا

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

لوقت طويل كانت آسيا الوسطى جزءاً من الاتحاد السوفييتي، لكن تفكك هذا الأخير لم يمنع استمرار المصالح والاستراتيجيات الروسية في هذه المنطقة التي مرت في مراحل ثلاث منذ العام 1992:

- في العقد الأول من تسعينات القرن الماضي توهمت موسكو أن بإمكانها أن تكون جزءاً من الغرب، فاستبعدت آسيا الوسطى من أولويات سياستها الخارجية .

- حتى نهاية التسعينات تطورت هذه السياسة الخارجية في اتجاه المراجعة والنقد الذاتي حيال العالم كله ومن ضمنه آسيا الوسطى .

- مع تقلد الرئيس بوتين السلطة أخذت موسكو تسعى إلى ضم هذه المنطقة إلى دائرة نفوذها من ضمن مساعيها إلى تقوية نفوذها على الساحة الدولية عموماً، وبالطبع مارس الرئيس ميدفيديف السياسة البوتينية نفسها .

بوتين الذي وصل إلى الكرملين في العام 2000 أعلن بوضوح أنه سيعمل على إعادة بلاده إلى موقعها السابق كقوة عظمى بعد سنوات يلتسين العجاف . وبالطبع فإن آسيا الوسطى هي منطقة يمكن لروسيا فيها اختبار سياساتها الجديدة المتسمة بالبراغماتية والمرونة والصلابة في آن معاً .

وقد اتسمت هذه المنطقة بأهمية استراتيجية، خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر ،1002 لاسيما مع إعلان الولايات المتحدة وحلف الأطلسي الحرب على الإرهاب انطلاقاً من أفغانستان، وهي حرب انضم إليها الرئيس بوتين سعياً وراء مصالح، وتحقيقاً لحسابات روسية خاصة .

من جهتها تقيم الصين علاقات تاريخية قديمة مع آسيا الوسطى، وقد تطورت في العقدين الماضيين بطريقة لافتة، ورغم ذلك ثمة مخاوف وأحكام مسبقة متبادلة ماتزال تعيق عودة الصين إلى هذه المنطقة من الباب الواسع . ويبقى التعاون ناجحاً في المجالين الأمني والسياسي لأن الصين تنسق جهودها في هذين المجالين مع روسيا .

في المقابل تحاول روسيا إعاقة مسار ترسيخ العلاقة الصينية مع آسيا الوسطى، لاسيما في المجالات التي تنافسها الصين فيها أو حيث تتعارض مصالح الاثنتين . لكنها لا تتخلى عن المجالات حيث المصالح المشتركة تفتح آفاقاً لتعاون مستقبلي . وهذا ما يحدث بالتحديد في المسائل الأمنية والسياسية المرتبطة بمكافحة الإسلام الراديكالي، أو الوقوف في وجه تمدد النفوذ الأمريكي .

وتقع التفاعلات الصينية - الروسية في إطار مؤسسة مشتركة، هي منظمة شنغهاي، تشارك فيها أربع دول أساسية من آسيا الوسطى هي كازاخستان وطاجكستان وقيرغستان وأوزبكستان . ورغم المشكلات والتناقضات القائمة في العلاقات الصينية - الروسية، ورغم النزعة المتنامية للتنافس الاقتصادي بين العملاقين في المنطقة، فإن الإنجازات المتحققة في العقدين الماضيين على صعيد التعاون بينهما باتت واضحة .

هذا لايمنع أن الصين تنظر إلى روسيا ودول آسيا الوسطى كشركاء عابرين مؤقتين أكثر منهم حلفاء استراتيجيين، ويقبع دورهم في الفضاء الاقتصادي تحديداً كمصدر للمواد الأولية . هذه النظرة سببها سياسات روسيا ودول آسيا الوسطى القائمة أساساً على تصدير المواد الأولية . . لذلك فإن التنافس بين روسيا والصين لا يمكن استبعاده من هذه العلاقة الملتبسة والمعقدة بينهما .

فمن جهة يقف الحضور الاقتصادي الصيني عند إنتاج واستيراد المواد الأولية الصناعية، الأمر الذي يستنزف الموارد في آسيا الوسطى ولا يسهم البتة في تحولها الاقتصادي . ومن جهة أخرى فإن روسيا ودول آسيا الوسطى، لا تمتلك سياسة صناعية أو استراتيجية اندماج اقتصادي في الفضاء ما بعد - السوفييتي، وهذا ما يضطر دول آسيا الوسطى إلى تأبيد وضعها أنها مجرّد خزان للمواد الأولية . وفي مواجهة هذه الصعوبات البنيوية فإن المنطقة تعاني صعوبات جمة في تطبيق الإصلاحات بنفسها، وتصبح بذلك هدفاً للعبة دولية يبحث أطرافها عن الموارد والنفوذ الجيوبوليتيكي .

وعلى عكس ما كانت عليه الحال في تسعينات القرن المنصرم فقد عززت روسيا من سياساتها الخارجية في هذه المنطقة الواسعة، وأعلن بوتين مراراً عن الحاجة إلى تطوير التعاون والاندماج متعدد الأطراف هناك . وعملت روسيا على تطوير علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة، لكن من دون أن تقوم بشيء يذكر في اتجاه تعزيز التعاون والاندماج المذكورين على المستوى الإقليمي . كذلك، فعلى الرغم من تصريحات بوتين المتكررة عن الاتحاد الأوراسي، لا يبدو أنه مستعجل إقامة الاندماج الاقتصادي الذي يتحدث عنه . والاستثمار اللفظي أو الخطابي الروسي يخبئ غياب خطة أو برنامج اندماج حقيقي، الأمر الذي تسعى الصين إلى استغلاله من دون استفزاز روسيا، ما يفتح آفاقاً مستقبلية أمام علاقة روسية - صينية في آسيا الوسطى يعلو فيها منسوب التنافس على التعاون الملتبس القائم حالياً في وجه أعداء مشتركين .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"