من هدنة «كورونا» إلى ثورة الجياع؟

05:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

فاجأ وباء كورونا لبنان على غير استعداد لمواجهته، لكنه سرعان ما أعلن التعبئة العامة، حكومةً ومجتمعاً، وتمكّن من احتوائه. المواجهة استلزمت الالتزام بهدنة عامة بين القوى السياسية المتصارعة في ما بينها.
الانهيار المالي والاقتصادي لم يفاجئ أحداً، لا الحكومة ولا المجتمع، ذلك أنه كان يتسلل كالنعاس إلى جسد لبنان منذ أشهر. لحظةَ الانفجار حدثت قبل عشرة أيام عندما أفلت سعر صرف الدولار الأمريكي من عقاله بسعرٍ يزيد على 4500 ليرة لبنانية. ذلك تسبّب بغلاء فاحش في أسعار جميع السلع خاصةً المواد الغذائية.
إزاء هذه الصدمة الشديدة للفقراء وذوي الدخل المحدود، بادر رئيس الحكومة حسان دياب إلى التصرف بسرعة لتهدئة مشاعر الغضب ومعالجة الأزمة، فكان أن أعلن مواقف راديكالية حمّل فيها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، المسؤول عن السياسة النقدية، تبعة تدهور سعر صرف الليرة ودعاه إلى مصارحة اللبنانيين بحقيقة ما جرى ويجري لاسيما لجهة أن الدولار أصبح بلا سقف. فوق ذلك، أعلن دياب قرار الحكومة بتكليف شركة دولية حيادية بتدقيق حسابات مصرف لبنان.
رياض سلامة دافع عن نفسه بالتشديد على ما اعتبره قواعد وممارسات سابقة عمل بها وفق أحكام قانون النقد والتسليف، بعلم الحكومة أو بطلب منها وذلك لسد عجوزات الميزانيات السنوية المتعاقبة، ولتأمين الاعتمادات اللازمة لشراء القمح والأدوية والوقود.
حتى قبل أن يدلي سلامة بدفاعه، سارع وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى إعلان تأييد فرنسا لبرنامج الحكومة الإصلاحي واستعدادها لمساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي. أما مساعد وزير الخارجية الأمريكي دايفيد شنكر فقد انتقد حكومة سعد الحريري المستقيلة لأنها لم تقم بأية إصلاحات مالية واقتصادية، مدافعاً بصورة غير مباشرة عن أداء رياض سلامة، مؤكداً أن تعيين حاكم جديد
لمصرف لبنان هو من صلاحية الحكومة اللبنانية وحدها.
في هذه الأثناء كانت التظاهرات الاحتجاجية الصاخبة تتزايد ومعها أعمال التحطيم واستهداف المصارف، طارحةً سؤالاً ملحاحاً: من وراءها؟
من مجمل التحليلات التي جرى تداولها، يمكن القول إن ثمة ثلاث جهات وراء التظاهرات:
أولاها، المواطنون الجياع أنفسهم المعانون من فقرهم وجوعهم والغلاء المستفحل بلا هوادة. ما قاموا به هو ثورة الجياع بلا أدنى مغالاة، ولا يمكن التكهن بكيف ومتى تنتهي.
ثانيتها، أركان الشبكة الحاكمة، القدامى منهم بخاصة، المتخوّفون من أن تطالهم تدابير المحاسبة المنوي مباشرتها، كما من انعكاسات التدابير السياسية التي يمكن أن تتخذها حكومة حسان دياب وتؤدي الى إقصاء معظمهم عن مراكز السلطة في المستقبل. هؤلاء أوعزوا إلى أنصارهم بأن يشاركوا في التظاهرات ويرفعوا شعارات مناوئة لزعماء القوى السياسية المؤيدة لحسان دياب وحكومته، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وحزب الله وبعض قادته.
ثالثتها، جمهور القوى الوطنية والتقدمية الداعم لثورة الجياع والمعارض الدائم لمختلف الحكومات المتعاقبة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لاسيما تلك التي آلت رئاستها إلى أركان حزبه وعضويتها إلى أعضاء كتلته النيابية.
الى أين من هنا؟
يبدو أن حسان دياب مصمم على البقاء في السلطة ومواجهة خصومه السياسيين، خصوصاً بعدما أعلن خطته الاقتصادية الإصلاحية وتلقّى دعماً من فرنسا مباشرةً، ومن وزارة الخارجية الأمريكية مداورةً وذلك تفادياً منها لاستفادة خصومها المحليين في حال سقوط حكومة دياب.
ماذا عن الجهات الثلاث سالفة الذكر؟
لعل المخرج هو في قيام حكومة دياب باتخاذ إجراءات عملية لمعالجة مشكلة الغلاء وتوفير مزيد من الضمانات الصحية والاجتماعية. أما التدبير الأفعل لاحتواء ثورة الجياع فهو في الانفتاح على القوى الوطنية والتقدمية وتبنّي مطالبها السياسية والاجتماعية التي سبق أن أعلن تأييده لها خلال فترة صعود الانتفاضة الشعبية قبل اندلاع وباء كورونا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"