انتبهت إمارة الشارقة لهذه المهمة، وحاول معهد الشارقة للتراث، بما يمتلكه من كوادر بشرية وخبراء دعم هذا الدور من خلال دورات تدريبية للهواة والموظفين المختصين في بعض الجهات لترميم وصيانة وأرشفة المخطوطات، بما يؤكد القدرة على استمرارها في البقاء.
نحاول هنا أن نوضح الخطوات والجهود التي تقام للقيام بهذا الدور، ولاسيما أن الكثيرين منا لديهم من الوثائق الخاصة والشخصية ما يحتاج إلى الصيانة والترميم.
تسبب الكائنات البكتيرية والحشرات والفطريات أمراضا وإصابات خطرة، ينتج عنها تآكل الأوراق، وتبدأ من الحواشي الخالية، وتتجه إلى الوسط، حيث يوجد النص المكتوب، كما تؤدي إلى ضعف الأنسجة الورقية، مخلفة آثارا من بقع ذات ألوان، تؤدي في بعض الأحيان إلى تدمير أجزاء كبيرة من النص.
لكن الاهتمام بالمخطوطات والوثائق التاريخية في وقت مبكر، يجعل من السهل الحفاظ عليها والتعامل الآمن معها، مع الإشارة إلى أن معهد الشارقة للتراث يستقبل المخطوطات الهامة من الجهات المتنوعة والمختلفة والأشخاص، ويتعامل معها بما يحفظها لفترات طويلة، ويجعل الاطلاع عليها ممكنا للأجيال القادمة، ويحتفظ بالمخطوطات والوثائق الهامة، باسم أصحابها في ركن خاص لها، وتحمل اسمه بعد صيانتها، في حال أراد المالك ذلك، ويعد هذا المعهد استثنائيا والأول من نوعه، كونه ينفرد بصناعة المخطوط من الترميم إلى التجليد، مرورا بكافة المراحل التي يتطلبها هذا الفن الجميل.
إحياء المخطوطة
بينما كان المهندس حسن مملوك، «رئيس قسم الصيانة بمعهد التراث»، يعمل على ترميم وثيقة وقف الجميع يراقب حركة أنامله الرشيقة في معالجة الورق بحذر شديد، حيث إن ثمن بعض المخطوطات باهظ الثمن، بل إن القيمة التاريخية لها أكبر من أي ثمن، وهي في النهاية ليست ملكا لأحد على وجه التحديد، بل إن الأجيال المقبلة شريك فيها، وليس من الجائز إتلافها أثناء ترميمها.
انتظرت حتى انتهى وأخبرنا عن طريقة المعالجات الأولية للمخطوط فقال: «تعاني بعض المخطوطات من جفاف الورق وتيبس الرقوق وتجعدها، حيث تتكسر بسرعة عند أول استخدام لها، بسبب فقدان هذه الأوعية لرطوبتها النسبية.
وأضاف: لابد من إعادة رطوبتها النسبية لها وأحياناً نلجأ إلى ترطيب الأوراق مباشرة بالماء، إلا أنه لا بد من الحذر في حال كون حبر الورق يتأثر بالماء، إذ يمكن أن تؤدي العملية إلى تلف شديد بحبر الكتابة، ومن ثم نكون قد أتلفنا هذه الورقة وأفسدناها، لذلك نلجأ في هذه الحال إلى استخدام طرق بديلة أكثر أمنا إلا أنها تحتاج إلى وقت كبير.
ويحذر مملوك من استخدام الماء للرقوق المتيبسة والمتجعدة قائلاً: «لا نستطيع استعماله بالشكل المباشر نهائيا، فهو يسبب التلف، ولا يجعله قابلا للإصلاح بسهولة، لذلك تتم معالجته ببخار الماء بحذر شديد وسرعة في التنفيذ».
قال مملوك: إن نجاح عملية الترميم، يتوقف على التعقيم، لأن معالجة الأوراق وتخليصها من الآفات، لا يتأتى إلا بعمليات التعقيم الصحيحة والشاملة، وهي طريقة علمية وعملية يتم فيها القضاء على جميع الكائنات الحية الدقيقة والضارة، بكل أشكالها، الحشرات والفطريات والبكتريا، وتوجد على شكل بيضة أو يرقة أو جرثومة أو أبواغ داخل تلك الأوعية.
وأضاف: على الرغم من أننا نتعامل مع الأوعية الورقية، التي تمتلك حساسية شديدة تجاه أي مادة أو جهاز يستخدم لعلاجها، إلا أنه لا بد من الدراسة الدقيقة والتقصي الجيد للمواد والطرق المستخدمة، أثناء استخدامها، حتى لا تسبب أي ضرر لها، ليس على المدى القريب فحسب، البعيد أيضاً.
وقال المهندس عمار البواب»أحد المختصين بالأرشفة الإلكترونية«: إن ترميم المخطوطات والوثائق وصيانتها يمر بالكثير من الخطوات التعقيم والتنظيف، يتم فيها القضاء على جميع الكائنات الحية الدقيقة والضارة بكل أشكالها بالرش أو التنظيف الحراري أو التبخر.
أما عن الترميم اليدوي فقال البواب: يبدأ بتنظيف المخطوطة من الغبار والأتربة بعد تعقيمها، ثم ترميم الثقوب الموجودة في ورق المخطوطة بعجينة من الورق بنفس لون ورق المخطوطة، بعدها ترميم القطوع والشروخ باستخدام الورق الياباني وال«اسباتيولا» الكهربائية، ثم نقوم بعمل إطار من الورق، إذا كان يحتاج ذلك.
وأضاف البواب: تتم عملية الترميم بكل حذر وبدقة متناهية وإجراء عملية فحص لكافة الوثيقة أو الورقة المعمول عليها.
ترميم آلي
أما عن الترميم الآلي فيقول البواب: إحدى الطرق المعتمدة في ترميم المخطوطات والوثائق، وتبدأ بترقيم المطبوع حسب «التعقيبة»، أو الأرقام الموجودة عليه، ثم فك المطبوع من الكعب والخياطة بحرص مع تنظيف الكعب من بقايا الغراء، ثم يتم فك الملازم وتحويل الكتاب إلى أوراق. كما يتم وضع الأوراق ضمن جهاز ترميم آلي،وإعادته على شكل ملازم بشكل ملائم.
يقول البواب: هي عملية اختبار نوع الأحبار للمخطوط» كربوني، حديدي، ملون«، وتكون بتحضير المحاليل المستخدمة في معالجة المخطوط، وهي» محاليل عضوية، تنظيف، تبيض، تعديل حموضة، تطرية«، ثم تحضير اللواصق المستخدمة في الترميم.
وقال:» في حال وجود غلاف للمخطوطة، يتم تنظيف الغلاف القديم وإزالة ما علق بها وترميمها من جديد، ثم القيام بخياطة ملازم المخطوطة وحبكتها بإتقان، ثم تحديد العصر الذي نسخ فيه المخطوط أو تقدير الفترة الزمنية.
المسح الضوئي والأرشفة
وفقا لبواب، يتم المسح الضوئي ويكون بمراجعة جودة المسح الضوئي وتصحيح الأخطاء عن طريق فريق كامل يعمل على مراجعة الصور، ثم عمليتي الرقمنة وفهرسة المخطوطات، ثم الحفظ والتخزين، وإعادة نشر المخطوطة على الشبكة العنكبوتية من أجل الحصول على أكبر عدد من القراء الذين يريدون أن ينهلوا من هذا العلم، أو لحفظها لأجيال وأجيال متتالية، عبر القرون والأزمنة المتلاحقة.
اختيار «الآيبرو»
يقول المهندس عمار البواب: يتم اختيار الزخارف التابعة لعصر المخطوطة أو الوثيقة بعناية من ورق الآيبرو، حيث يتناسب مع تلك الحقبة، والطريقة التي تصنع بها الزخارف لم تتغير منذ آلاف السنين، وهي طريقة تقليدية لم تتطور إلى اليوم وتعتمد على مواد طبيعية من أمعاء الحيوانات بجانب الألوان الطبيعية وصبغ أوراق شجر السدو.
وأضاف: طريقة الصناعة سهلة وبدائية وتعتمد على إناء واسع مملوء من المياه ترفع كثافته من مادة من شجر الكاسراء، وتشبه الصمغ حتى لا تذوب بها الألوان الطبيعية التي يتم اختيارها بعناية، وترقق بمادة سائلة من أمعاء الحيوانات، ويتم تمويجها ليظهر لنا الشكل الذي نريده حسب مخيلة كل فنان على حدة، وتؤخذ على الأوراق التي يتم تجفيفها واستخدامها في التغليف أو التجليد والزخرفة.
دراسات عديدة
يقول المهندس حسن مملوك عن الطرق المستخدمة في الترميم:«نقوم بدراسات عديدة وأبحاث متنوعة؛ لتحقيق هذا الهدف محلياً في الإمارات، وبالمستوى المطلوب عالمياً، فقمنا بتأسيس معمل للترميم كامل متكامل بكل شعبة، حيث يطابق المواصفات العالمية في الجودة والحماية للعاملين في المعمل وللمخطوطات، وخصصنا غرفة خاصة لتعقيم المخطوطات، حيث يوجد فيها جهاز التعقيم الذي نستخدم فيه الغازات السامة، لقتل كافة أشكال الآفات في المخطوطة».
وعن وصف الجهاز قال: يشبه الخزانة، ويبلغ طوله مترين وعرضه مترا تقريبا، و هومصنوع من مادة الكروم المقاوم، ومزود بعربة، وله واجهة من الزجاج، ومزود بساحب توربيني للتفريغ، مع مؤقت زمني، وسخان كهربائي، ويستوعب ما بين 300 إلى 400 كتاب أو مخطوط.
