عاشقة الليل نازك الملائكة

أطلقت الثورة الشعرية من عقالها
05:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

يمتد درس الكوليرا إلى اليوم وبإمكننا من خلاله قراءة أكثر من دلالة، ما حدث في مصر يؤثر في مبدعي العراق، تنفعل به شاعرة شابة عمرها لا يتجاوز الرابعة والعشرين، الحدث نفسه يؤسس لذائقة مختلفة في الشعر العربي تمهد لمعارك أدبية وتيارات فكرية ستصطدم في ما بينها لتثري بنقاشاتها ساحتنا الثقافية، بإمكاننا هنا المقارنة بين ما مضى وراهن العراق ونسأل عن موقف مثقفي الوطن العربي مما يحدث في العراق، ونسأل مرة أخرى عن قدرة مبدعينا الآن على الانفعال بالأحداث المهمة ومرة ثالثة عن الشباب ومدارات التجديد المأمولة .

ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد في 23 أغسطس/ آب ،1923 درست اللغة العربية في دار المعلمين العليا وتخرجت فيها عام ،1944 كما درست الموسيقا في معهد الفنون الجميلة، أكملت دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصلت في عام 1947 على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن، عملت في التدريس في كلية التربية ببغداد ثم في جامعة البصرة وجامعة الكويت، صدر ديوانها عاشقة الليل عام 1947 في بغداد ثم توالت دواوينها: شظايا ورماد عام ،1949 قرارة الموجه عام ،1957 شجرة القمر عام ،1968 ومن بين دراساتها النقدية: قضايا الشعر الحديث عام ،1962 سيكولوجية الشعر عام ،1992 حصلت على جوائز عديدة منها: جائزة البابطين ،1996 وأقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو/ أيار 1999 احتفالاً لتكريمها بوصفها رائدة الشعر الحر، أمضت سنواتها الأخيرة في القاهرة وتوفيت يوم 20 يونيو/ حزيران 2007 .

قالت الشاعرة إيناس البدران رئيسة منتدى نادي نازك الملائكة في الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين: إن الشاعرة الكبيرة الراحلة نازك الملائكة لا يمكن لأحد أن ينكر ريادتها في الشعر العربي الحديث، فهي التي أحدثت نقلة نوعية في ديوان العرب من خلال الشعر الحر، لذلك ستبقى صاحبة الريادة في هذا المجال .

وأضافت البدران أن الملائكة لم تكن شاعرة مبدعة ومتميزة فقط، إنما كانت ناقدة متخصصة رفدت المكتبة العربية بالكثير من الكتب القيمة لعل أبرزها سيكولوجية الشعر والصومعة والشرفة الحمراء وقضايا الشعر المعاصر . لذلك فإن كتابتها للنقد زادت من ذائقتها الشعرية وجعلتها تتعامل مع المفردة التي تكتبها بشكل عذب، حيث يجد المتلقي في قصائدها الحب والجمال والزهد في الحياة .

وأكدت البدران أن تراث نازك الملائكة سيبقى لعقود طويلة من الزمن . ولعل احتفاء المشهد العراقي الدائم بأثرها في التجديد الشعري، هو دليل على حقيقة هذا الحضور الذي سيظل خالداً .

قال الشاعر الفريد سمعان: إن كل من يعمل في ميدان الشعر يعرف جيدا أن الملائكة كانت أحد الرواد الكبار الذين انتقلوا بالقصيدة من قواعد محدودة إلى الشعر الحر وقد شاركها بدر شاكر السياب في ذلك .

وأضاف سمعان أن قصيدة الكوليرا كانت فاتحة الانتقال إلى الشعر الحر وإلى مساحاته الكبيرة التي تطورت فيما بعد وأعطت فرصة لكل الشعراء لكي يحسنوا أداءهم وأن يطوروا أدواتهم ويحثوا الآخرين لا في العراق فحسب، بل في كافة البلدان العربية على هذا النهج الذي استطاع أن يغير بنية القصيدة العربية وأن يغني أيضا التراث العربي القديم بعطاءات جديدة وإمكانات مهمة .

وأكد سمعان أن الشعر الحر خلق مناخا وجوا جديدا للقصيدة . فالشعر لم يعد مكتوف الأيدي ولا مقيدا بقيود كثيرة كانت تحد من طاقة الشعراء لاسيما من الذين لا يمتلكون خلفية لغوية واسعة وعريضة . لذلك وجد هؤلاء في الشعر الحر متنفسا للتعبير عن الانطلاقات التي تتطلبها صناعة العمل الفني الجيد .

ورأى أن لنازك الملائكة الفضل الكبير في دخول الشعر العربي إلى فضاءات الحداثة، ونحن في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين لدينا منتدى ثقافي أطلقنا عليه منتدى نازك الملائكة وهو فعال ونشط إلى حد كبير، إلا أنه بحاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام .

وقال الشاعر والناقد علي حسن الفواز: إن الاثر الكبير الذي تركته نازك الملائكة للشعر العربي يتطلب منا تسليط الضوء على منجزها الابداعي المتجدد، كما أن الحديث عن مشروعها ينبغي ان ينطلق من فكرة استعادتها كلحظة ثقافية فارقة في تاريخ تحديث التفكير الشعري والنقدي العربي . فنازك الملائكة التي احدثت مع بدر شاكر السياب ثورة كبيرة في مجال الشعر العربي الحديث لا يمكن أن تنتهي من الشعر العربي لمجرد أنها انتقلت إلى جوار ربها، بل إن الإرث الكبير الذي تركته سيبقى صامدا في الذائقة الشعرية العربية لعقود طويلة مقبلة .

وأضاف أن نازك الملائكة عبر ما أنجزته كانت تقترح فكراً تجريبياً في النظر الى صناعة القصيدة ضمن تطور سياقها الزمني، مثلما كانت تحمل وعياً متعدياً لمفهوم الشعرية ذاته، والذي عدّه الكثيرون خرقا للقاعدة المكرسة في كتابة النمط المتداول يكسر الكثير من أساسياته وشروطه، لقد مثلت حالة من التمرد والمغامرة والتجاوز لبداهات السائد يقتحمه بكل قوة وثقة عالية بالنفس .

وشدد على أن نازك الملائكة تميزت بالوعي الكبير في ابراز قدراتها الذاتية في صياغة اطار معين للتلازم بين شعريتها واشتغالها النقدي، مستندة الى تراكم كبير من القراءات المفتوحة على التراث واللغة وموسيقا الشعر .

ورأى الفواز ان الاحتفال بالذكرى الثالثة لوفاة نازك الملائكة يدعونا إلى التركيز على منجزها الابداعي في مجال الشعر وكذلك في مجال النقد، لأنها تمثل مدرسة متجددة نحتاجها حالياً ليس في العراق فقط إنما في كافة أنحاء الوطن العربي .

قال الشاعر عبد الستار الاعظمي: إن نازك الملائكة صنعت الشعر الحر وحافظت على الأساليب الكلاسيكية العربية فكانت قريبة من عمود الشعر واعية لما تريد وحافظت على القواعد، إلا أنها تحررت من نظام الشطرين والقافية واعتمدت التفعيلة الصافية من دون الإخلال بالوزن او الموسيقا مع وصف لمعاناة النفس التي تضطرم فيها اسرارها وتغلي نوازعها . لذلك اصبحت رمزا وعلامة من علامات الحضور الثقافي المتوهج للمرأة .

وأضاف أن نازك الملائكة لم تكن علامة عابرة بل حدثا في مسيرة الحداثة، وفي ظل صعوبة اختراق الحواجز الذكورية انذاك، استطاعت ان تقف جنبا الى جنب مع بدر شاكر السياب وسواه لتؤسس جيلاً جديداً ومشروعاً للحداثة في العراق والوطن العربي .

وأكد أننا اليوم نجني ثمار مشروعها التجديدي من خلال هذا التنوع الابداعي الحديث، لقد اطلقت الثورة الشعرية من عقالها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"