أمريكا والصين.. «هدنة الحرب»

02:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد سعد أبو عامود *

على هامش اجتماعات قمة العشرين التقى الرئيسان الأمريكي والصيني واتفقا على هدنة بشأن الحرب التجارية القاسية الدائرة بينهما لمدة 90 يوماً. وقالت الرئاسة الأمريكية في بيانها: إنّ القرار المفترض أن يرفع اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني الرسوم الجمركية من 10% إلى 25%، على ما قيمته 200 مليار دولار سنوياً من الواردات الصينية، تم إرجاؤه 90 يوماً، لإفساح المجال لتوصل البلدين لاتّفاق ينهي حربهما التجارية.
رغم التصريحات الرسمية المتفائلة من الجانبين والتي تشير إلى أن المفاوضات الهادفة لنزع فتيل هذه الحرب تسير في طريقها المطلوب، إلا أن الكثير من المحللين من الجانبين يرون أنه لا يوجد ما يضمن وصول هذه المفاوضات إلى تسوية نهائية، ومن ثم يتوقع البعض مد الهدنة لمدة تسعين يوما أخرى لإعطاء المزيد من الوقت أمام المفاوضين، للتوصل لاتفاق يعبر عن الوصول لنقطة التوازن المناسبة للطرفين، في حين يتوقع فريق آخر فشل هذه المفاوضات نتيجة ما يرونه من حدة التضارب في المصالح، والتي يصعب بسببها توصل الطرفين لحل وسط، الأمر الذي سيدفع الطرفين إلى مواجهة شاملة، ويرى فريق ثالث أنه من الممكن التوصل لاتفاق ينهي هذه الحرب التجارية مع استمرار الصراع بشأن قضايا أخرى.
ويشير ايلي راتنر على موقع مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية إلى أن أي اتفاق بين الجانبين هو وقفة تكتيكية على أفضل تقدير، وتوفير الإغاثة على المدى القصير لأسواق الأسهم المتوترة والمزارعين الأمريكيين المحاصرين، ولكن ليس له أي تأثير مادي أو طويل الأمد على الانزلاق نحو المنافسة الجيوسياسية عالية المخاطر بين الولايات المتحدة والصين، موضحا أن البيت الأبيض لا يملك استراتيجية واضحة بشأن التفاوض مع الصين، كما أن هناك انقساماً بين أركان إدارة ترامب حول هذا الملف، ويرى أن أقصى ما يمكن التوصل إليه هو موافقة ترامب على التوقف عن فرض أي تعريفات جديدة، وفي المقابل، ستتعهد الصين بشراء المزيد من السلع الأمريكية (بما في ذلك فول الصويا والغاز الطبيعي المسال)، في حين تصدر وعوداً لتعزيز الوصول إلى الأسواق الصينية للمنتجات الأمريكية، وزيادة فتح قطاعها المالي، وحماية الملكية الفكرية بشكل أفضل، والالتزام بمتطلبات نقل التكنولوجيا، ولكنه يرى أن القيادة الصينية غير قادرة على معالجة المخاوف الأساسية للولايات المتحدة بشأن السياسات الصناعية للصين والنموذج الاقتصادي الذي تقوده الدولة.
وبسبب هذا، فإن أي عملية لتسوية هذه القضايا من المحتم أن تفشل، فحتى إذا تم تعليق التعريفات الجمركية، فإن الولايات المتحدة سوف تستمر في إعادة هيكلة العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين من خلال قيود الاستثمار، وضوابط التصدير، وفي الوقت نفسه، لا توجد آفاق جدية بالنسبة لواشنطن وبكين لحل الخلافات المهمة الأخرى.
وترى سارة هسو أستاذة الاقتصاد بجامعة ولاية نيويورك أنه قياساً على ما جرى من مفاوضات بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، وما قدمته الصين من عروض رفضها الرئيس ترامب فإنه يصعب تصور نجاح هذه الجولة من المفاوضات، في ظل وجود اختلافات أساسية بين الجانبين، حيث تعتقد الصين أن الولايات المتحدة تقوم بممارسات غير عادلة من خلال فرض التعريفات الجمركية، في الوقت نفسه، تتهم الولايات المتحدة الصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، كما ترى أن الطرفين لديهما فهم مختلف حول الشروط التي تم الاتفاق عليها في اجتماعهما الأخير، يؤكد ذلك ما نشرته «بلومبيرج» من مقارنة جيدة بين التصريحات الأمريكية والصينية بعد لقاء القمة التي أظهرت الافتقار إلى التشابه.
أما محرر آسيا لصحيفة «فاينانشيال تايم» فيرى أن شروط الهدنة التجارية في هذه الحرب توضح أنه في مقابل عدم فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية أعلى على نصف الصادرات الصينية في الفترة من 1 يناير، وافقت بكين على مناقشة قائمة طويلة من التنازلات التي من شأنها، إذا ما تم تنفيذها بشكل كامل، أن تغير بشكل جذري طبيعة النظام الصيني وهو ما يصعب على القيادة الصينية الوفاء به، ومن ثم يرى أنه من شبه المؤكد أن الحرب التجارية سوف تستأنف مع الانتقام بنهاية فبراير2019.
ويرى شيويه لي من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن الولايات المتحدة والصين في صراع على المصالح، وهم يصارعون من أجل توازن جديد في علاقتهم فيما يتعلق بمختلف المناطق والحقول والقضايا، ويرى أن حربهم التجارية الحالية هي جزء من هذا الصراع، ويضيف أن الولايات المتحدة توصلت إلى أن الصين لا تزال منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، لكن الصين تدرك أهمية الحفاظ على العلاقات الودية مع الولايات المتحدة، وتجنب أي مواجهة شاملة معها، وتأمل في إقامة نوع جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، وطالما أن الولايات المتحدة لا تعرض مصالح الصين الجوهرية للخطر، فإن الصين سوف تكون مرنة من أجل إنهاء الحرب التجارية.
ويرى أنه بما أن ترامب ليس لديه اعتراض على غالبية القضايا في ملاحظات الصين، فمن المحتمل أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق حول القضايا المتبقية، سيتطلب ذلك من الولايات المتحدة إظهار ما يكفي من الصدق والمرونة، وليس توقع قبول الصين جميع الطلبات الأمريكية، وبالنظر لمفاوضات ترامب مع البلدان الأخرى، فإن أسلوبه المعتاد هو تقديم طلبات متلاحقة، ثم التنازلات البراغماتية والاتفاقات في الوقت المناسب لذلك، ويعتقد أن البلدين سيتوصلان، إلى توافق يؤدي لإنهاء الحرب التجارية في حين يبقى الصراع على قضايا أخرى.
ورغم أن الاتجاه الأغلب بين المحللين يدور حول إمكانية فشل المفاوضات واستئناف الحرب التجارية، إلا أننا نرى أن هناك الكثير من العوامل التي قد تدفع نحو التوصل إلى تسوية مناسبة تؤدي إلى توقف هذه الحرب، فالخسائر الناتجة عنها كبيرة بالنسبة لكافة الأطراف، كما أن أياً من طرفيها لا يملك القدرة على تحقيق النصر فيها، كما أن الضغوط الداخلية الأمريكية المتزايدة تستند إلى أن الخسائر الناتجة عنها تفوق أية مكاسب محتملة، ويبدو أن خطاب الدبلوماسيين المتفائل سيتحقق.
* أستاذ العلوم السياسية (جامعة حلوان)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"