هل أنت نائم؟

استشكاف منطقة الغشاوة في الدماغ
05:26 صباحا
قراءة 15 دقيقة

ظهر في بداية هذا العام تقرير غريب في مجلة طب النوم يصف حالتين لشخصين إيطاليين لم يناما في الواقع أبداً. فهما قد يستلقيان، يغمضان عينيهما.. ولكن قراءة نشاط الدماغ عندهما أظهرت عدم وجود أية علامات طبيعية مرتبطة بالنوم. كما أن الغرابة كانت واضحة في سلوكهما. فمع انهما يعيان بشكل كبير ما يجري حولهما في هذه الاوقات من الراحة، الا انهما قد يمشيان، يصرخان، يرتجفان بقوة، وقد تزداد سرعة نبضات قلبيهما. أما ما يتبقى من زمن الشعور والوعي عندهما فإنه يميل بقوة الى ان يكون مثل هلوسة الأحلام. وقد شُخصت الحالتين على أنهما اضطراب عصبي يدعى نظام الضمور العصبي المتعدد (multiple system atroph).

وفقا للباحث روبيرتو فيتروغنو وزملائه من جامعة بولونا الإيطالية الذين أجروا الدراسة، فإن هذا المرض أتلف دماغ الشخصين الى حد انهما دخلا في حالة ديسوسياتوس (أو حالة الشعور بين الوعي واللاوعي) وتعرف بالانجليزية باسم (Status dissociatus) وهذه الحالة تكون مثل غشاوة في منطقة قاع الدماغ تتلاشى فيها الحدود بين النوم واليقظة تماماً (طب النوم، اصدار،10 ص 247).

وامكانية حدوث هذه الحالة قد يناقض ما اعتدنا ان نعرفه عن النوم، لكن ذلك لم يفاجئ مارك ماهوالد، مدير المركز الإقليمي لإضطرابات النوم في منيسوتا الامريكية، والذي دافع طويلا عن مبدأ أن النوم واليقظة هما حالتان منفصلتان ومستقلتان.

فقد علق على نتائج الدراسة الإيطالية قائلا اصبح هناك الآن اثبات قوي على أن الحالات الاولى من الشعور بالوجود ليست متبادلة بشكل حصري. مضيفا ان الغشاوة بين النوم واليقظة تكون واضحة جداً في حالة ديسوسياتوس، وانه يرى بأن هذه الحالة يمكن ان تحدث لأي شخص من البشر.

فإن كان مصيباً في اعتقاده، فهذا يعني ان علينا اعادة التفكير في فهمنا لحالة النوم، ماهيته، والغرض منه. وكذلك التفكير باليقظة أيضاً، فربما لا يكون كل شيء أو لا شيء عرفناه عنها كظاهرة صحيحاً.

حالات اليقظة والنوم

من المعروف أن الناس الأصحاء في أي وقت يمرون في ثلاث حالات من اليقظة وهي: حالة اليقظة، وحالة نوم حركات العين السريعة (REM)، وحالة نوم الأحلام (NREM).

وكل حالة من هذه الحالات لها ما يميزها، ويمكن التعرف عليها من علامات مميزة لنشاط الدماغ عند اجراء التخطيط الكهربائي له (EEG) كما يلاحظ في الشكل 1.

ومن السهل الكشف عن حالة اليقظة الكاملة. فبعيداً عن حقيقة أن عيني الشخص تكونا مفتوحتين ومستجيبتين، الا ان التخطيط الكهربائي يظهر علامة ذات تواتر مرتفع. وموجات نوم منخفضة.

وتقسم حالة نوم الاحلام (NREM) إلى أربع مراحل كل منها لها علامة التخطيط الكهربائي التي تميزها. بينما يصعب تحديد علامة حالة نوم حركات العين السريعة (REM) لأنها تشبه المرحلة الاولى من المراحل الأربع لحالة نوم الأحلام إلى حد كبير.

ولكي يتأكد الباحثون من أنها حقاً حالة REM، فقد قاموا بدراسة دلالة حركات العين السريعة والارتخاء في عضلات الفكين والذقن.

ولم يكن ماهوالد الشخص الوحيد الذي تساءل عن تلك الاختلافات الدقيقة. فديفيد دينكيز الطبيب النفساني في جامعة بينسيلفانيا الامريكية ربما قام أكثر من غيره بحرمان عدد كبير من الناس من النوم تحت اسم العلم. وبناء على نتائج دراسة مماثلة اجراها أواخر الثمانينينات اكتشف دينكيز وفريقه كيف أنه من السهل أن تتداخل حالات اليقظة.

فعندما خضع المتطوعون لاختبار الذاكرة العاملة وطلب منهم اجراء عمليات طرح حسابية، حققوا معدل 90 مسألة حسابية في ثلاث دقائق بأخطاء قليلة. وبعد حرمانهم من النوم 52 ساعة، انخفض مستوى أدائهم إلى حوالي سبعين عملية طرح بعدد من الأخطاء كان أكثر قليلا من الاختبار السابق. ولكن بعد أن ناموا لمدة ساعتين - كما قال دينكيز - كان التغيير مفاجئا عندما أيقظناهم بشكل مفاجئ، وقد اعتبروا أنفسهم يقظين وجاهزين، لكنهم لم يستطيعوا حل حتى مسألة واحدة، حتى انهم بدوا كأنهم يحلمون اثناء محاولتهم حل المسألة. واضاف ان ما استغرق وقتا في التفكير هو الالتباس الذي أحدثته كلمة لها معنيان في وسط السؤال: ماذا يحدث لو ان الناس ركضوا أسرع من ادارة الناس العاديين لبيوتهم، استخدمت في النص الاصلي الكلمة الانجليزية RUN وبصيغة الماضي RAN كمعنى مزدوج للسرعة والادارة.

قصور النوم

ان ما يعرف بقصور النوم، بات يعرف الآن بأنه يسبب استمرارية بعض الناس في حالة بين اليقظة والنوم بعد ان يرن منبه الساعة. فهم عندما تخاطبهم يبدون يقظين ولكنهم عملياً يكونون نائمين، كما لو ان حاسة الإدراك الموجودة في الدماغ تكون نشطة وتعمل، ولكن الذاكرة البينية تكون ما تزال خامدة.

ويعتقد ماهوالد أن هذه الحالة هي واحدة فقط من عدة حالات اضطرابية يمكنها ان تفسر تلاشي الحدود الفاصلة بين النوم واليقظة.

وقد اورد ماهوالد كل هذه الحالات في قائمة في نفس العدد من دورية طب النوم الذي نشر فيه وصف فيتروغنو للناس المصابين بحالة ديسوسياتوس (المجلد ،10ص 159)

واحدى هذه الحالات هي ما تعرف باسم الاضطراب السلوكي في حالة نوم حركات العين السريعة (REM)، او ما يرمز اليها باسم (RBD)، وفي هذه الحالة يقوم الناس بتمثيل احلامهم اثناء نومهم لأن الشلل المؤقت او الجمدة التي تصاحب هذه الحالة عادة تستبدل بحركة كاملة من اليقظة. وفي حالة شلل النوم يكون العكس صحيحاً. وهنا، تتدخل الجمدة بقوة في حالة اليقظة، فيصحو الشخص من نومه ليجد نفسه/نفسها غير قادر/قادرة على الحراك.

ويقدر بأن نحو 40 في المائة من الناس قد تعرضوا لهذه الحالة المزعجة.

ومن الحالات الاخرى المعروفة التي تبعث على الدهشة هي حالة الهذيان في مستهل النوم، والتخيلات الحسية التي تحدث في ذروة النوم، وذلك عندما يتدخل عامل الأحلام في نوم حركات العين السريعة (REM) في اليقظة.

كما تضمنت قائمة ماهوالد أيضاً المشي أثناء النوم، والكوابيس، والتغفيق (وهي حالة عدم استقرار فطرية في حدود اليقظة وتتميز بحركة دوران سريع بين حالتي النوم واليقظة والميل إلى النوم في وسط ذلك).

وما اثار جدلاً هو أن القائمة ضمت ايضا حالات يقترب فيها الشخص من الموت، او يشعر باختطافه من قبل كائنات فضائية.

ويقول ماهوالد ليس من قبيل الصدفة ان الشعور بالاختطاف من قبل كائنات فضائية دائما ما يحدث عندما يكون الشخص في وضع الغفوة عند الانتقال من اليقظة الى النوم.

ويضيف ان النوم ظاهرة معقدة جداً تيحدث خلالها تغيرات حسيَة وعضَلية توجب تنسيقا بين النظام الهرموني والاجهزة العصبية لخلق حالة محددة من اليقظة، وعندما تفكر في ذلك، فإن هناك مليارات الناس في العالم ينتقلون بين اليقظة ونوم حركة العينين السريعة (REM)) ونوم الاحلام (NREM) ) عدة مرات كل 24 ساعة.

ويتابع من المدهش أن عملية التحول هذه تكون دقيقة جداً، وهذه الدقة توحي بأن هناك تكيفاً قوياً يدفع الشخص لأن يكون في واحدة من الحالتين بشكل كامل، ولكنه يعتقد ايضا أن انفصام العقل - أي وجود أكثر من حالة يقظة في وقت متزامن - هي حالة اكثر شيوعاً مما توقعه أي أحد من قبل.

غشاوة الدماغ

ان غبش الحدود بين النوم واليقظة الكاملة يحدث بالتحديد عندما نحرم من النوم. وقد وجد دينكيز قبل عقد مضى أن المتطوعين الذين حرمهم من النوم وبدوا وكأنهم يقظون، كانوا في الحقيقة يمرون بمراحل نوم خاطفة. ومنذ ذلك الوقت، اكتشف أن هذه الغفوات السريعة تدوم من نصف ثانية إلى ثانيتين، ثم تصبح أطول بشكل تدريجي كلما طالت مدة الحرمان من النوم، وفي النهاية لا يمكن للشخص مواصلة ذلك فيميل رأسه.

ويرى دينكيز أن التطور الذي يحدث في غضون ذلك من حالة اليقظة حتى ميلان الرأس هو إشارة خارجية لحرب شرسة بين الأجهزة العصبية التي تحاول ادخال الشخص في النوم وأجهزة أخرى تحاول إبقاءه في حالة اليقظة. وهذا يتوافق مع أفكار جيميس كرويجر من جامعة واشنطن في بولمان، والذي حاول أن يبرهن أن وحدات العمل الفردية في الدماغ ? المعروفة بأعمدة قشرة الدماغ تنام بشكل مستقل عندما تتعب. وفي نظره، فان الانتقال من النوم الى اليقظة، او العكس، يحدث عندما يكون عدد كافٍ من اعمدة القشرة الدماغية في واحدة من احدى هاتين الحالتين ( مجلة نيتشر-مراجعة العلوم العصبية- مجلد 9 ص 910).

ويعتقد كرويجرأن هذا الشكل الفسيفسائي للنوم يوضح قصور النوم والمشي اثناء النوم.

النوم الخاطف

بعض الناس ميالون اكثر من غيرهم للنوم الخاطف. وفي دراسة اجراها عام ،2007 أظهر دينكيز وزملاؤه أن هناك اختلافات كبيرة في قدرة الناس على مقاومة إغراء النوم عند التعب. بينما تكون الفروقات صغيرة في التنبه عند مجموعة من البالغين الأصحاء غير المحرومين من النوم، ولكن ما ان يتم تحفيز النظام العصبي ببعض الحرمان من النوم فإن هذه الاختلافات تصبح اكبر فأكبر كما يقول.( مجلة ابحاث النوم، اصدار ،16 ص 107).

وهذا ينطبق علينا جميعاَ، خصوصاَ أولئك الذين تتطلب مهنهم البقاء يقظين من أجل مسألة فيها حياة أو موت. (انظر من المحطة الارضية للميجور طيار)

ويقول دينكيز: إذا كنت تقود بسرعة 100 كم في الساعة على الطريق السريع وأخذتك غفوة قصيرة، فإن اصابعك ترتخي عن المقود وستندفع خارج الطريق بزاوية قدرها 4 درجات، وكل ما تستغرقه هذه العملية هو ثانيتان فقط تكون بعدهما خارج مسارك تماماً.

والمعروف ان 20 في المائة من أسباب حوادث المرور يكون لها علاقة بالإرهاق. وقد كشف تصوير حديث للدماغ عن وجود نظام ذهني احتياطي عند الناس الذين يظلون متيقظين اثناء حرمانهم من النوم. (مجلة علم الأعصاب، اصدار 29 ص 7948 ). بينما وجد قصور في نشاط الدماغ عند أناس آخرين في حالة الارهاق.

أما الأفراد الذين يقاومون النوم فقد وجد انهم يستطيعون المحافظة على مستويات نشاطهم الدماغي. والاكثر اهمية من ذلك، أنهم يوظفون مناطق اخرى لتساعدهم في التعويض عن بقائهم يقظين لفترة طويلة جدا.

وقد تم اختيار هؤلاء الناس في الدراسة لأن لديهم تنوعاً جينياً يوجد عند 40% من الناس والذي يعتقد أن له علاقة بمقاومة الحرمان من النوم. ومن المرجح أن هؤلاء الناس هم أيضاً أقل ميلا للإصابة بالانفصام العقلي، مع أنه لم يتم اختبار ذلك.

اما المجموعة الأخرى التي أظهر افرادها انهم أكثر تيقظاً من غيرهم فهي مجموعة الذين يعانون من الأرق (علما بأن حالة الأرق غير مرتبطة بأي حالة أخرى. وهناك أدلة علمية على أنها حالة ثابتة من حالات فرط التيقظ بمعدلات أيض عالية جدا مرتبطة بها، ومستويات عالية من هرمون التوتر الكورتيزون).

ويقول ماهوالد: ان الواحد من هؤلاء كمن شحن انتباهه على مدار 24 ساعة، ولذلك فهم أكثر تنبهاً في الليل، ولكنهم أيضاً أكثر تنبهاً في النهار.

ومع ان موضوع الغشاوة بين النوم واليقظة أصبح مقبولاً بشكل واسع، فقد حاول الباحثون استنباط تقنيات تلتقط الغفوات القصيرة المتواصلة وذبذباتها. وعلى سبيل المثال، فقد عمل العالم العصبي غيوليو تونوني (في جامعة ويسكونسين، ماديسون) مراقبة الدماغ النائم مستخدماً اجهزة تخطيط كهرباء (EEGs) ) مزودة ب 256 قطباً كهربائياً بدلاً من الاجهزة التقليدية المزودة ب 32 قطبا لتكثيف الحيز المكاني، وهو ما يساعد على تصوير الدماغ في وضع الغفوة الفسيفسائي.

وقال تونوني ان النوم الخاطف هو مجرد قمة جبل الجليد. ولذلك، فقد اهتم بشكل خاص باحتمالية توقف بعض مناطق الدماغ من دون حتى إدراكنا لذلك. وقال: في كثير من الجوانب، قد يبدو الامر كأنه اضطراب عقلي مؤقت لا يعيه أي أحد، بمن فيهم انت نفسك.

كما أن النسيان وأحلام اليقظة يمكن أن تكون أمثلة على ذلك، وقد تكون اكثر غرابة، وقد تتحول الى سلوكيات اجرامية من دون وعي. (انظر: عندما لا تكون الجريمة جريمة).

اختبارات الرنين المغناطيسي

في الوقت نفسه، بدأ بيير ماكويت من جامعة لييج في بلجيكا باستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) لرسم علامات نشاط الدماغ المرتبطة بحالات النوم المختلفة. وقد توصل فريقه إلى أن التمييز بين النوم واليقظة الكاملة يبدو مختلفاً عند مقارنة علامات النشاط الدماغي لكل مناطق الدماغ بما في ذلك المناطق الغائرة منه، وذلك على عكس ما يظهر عادة في التخطيط الكهربائي للمخ (EEG) الذي يقيس النشاط في بضعة ميليمترات فقط من سطح القشرة الدماغية.

وبالنظر الى ما سبق، فقد يكون هناك أمل في أن هذه الطرق قد توجد تفسيرا للجدل الدائر حول الغرض من النوم.

وفي هذا الخصوص ترى نظرية رائدة ان النوم مهم لتعزير الذاكرة. ومع ذلك فإن أحد المظاهر المحيرة في حالة الديسوسياتوس التي وجدت عند الايطاليين هي انه بالرغم من التعطل التام لمرحلتي نوم حركة العينين السريعة (REM) ونوم الاحلام (NREM) فإنه لم تظهر عندهما اية عيوب في الذاكرة.

فهل يضيف ذلك مزيدا من الطحين لمطحنة اولئك الذين يعتقدون انه لا غرض آخر من النوم غير المحافظة على طاقتنا وسلامتنا؟ (نيوساينتست، 15 مارس ،2008 ص 30)

أم انه يعني، كما يعتقد ماهوالد، ان هذين الشخصين مصابان في الحقيقة بنوع من فسيفساء النوم؟

ان التمسك بتعريف أقل من الابيض والاسود للنوم واليقظة، واستخدام وسائل وادوات اكثر دقة لقياس الحالتين ربما يوجد جوابا للسؤال في نهاية المطاف.

عندما لا تكون الجريمة جريمة

في عام 1988 مثل رجل كندي عمره 23 عاما واسمه كينيث بارك امام المحكمة بجريمة قتل والد ووالدة زوجته.

وقد حدثت الجريمة في احدى الليالي من العام الذي سبق، حيث قاد كينيث سيارته مسافة 23 كيلومترا في البلدة متوجها إلى منزل حمويه، وهاجمهما بأداة فك براغي اطارات السيارة وسكين. ومع ذلك تمت تبرئته من تلك الجريمة على أساس انه كان يمشي وهو نائم في ذلك الوقت.

ومنذئذ، قُدمت اعداد هائلة من المرافعات من قبل المحامين بذريعة خطل النوم (parasomnia)، وهو مصطلح قديم لاضطرابات تتضمن استفزازاً جزئياً يحدث للشخص اثناء النوم، وصار غالباً ما يستخدم الآن في القانون.

وقد قدر مارك بريسمان من مستشفي لانكينو في وينوود بينسيلفانيا عدداً الحالات التي تستخدم هذا النوع من الذرائع الدفاعية من 5 إلى 10 حالات سنوياً في كل أنحاء العالم.

وقد اثار هذا جدلا قويا حول مسؤولية المجرم عن ارتكابه الجريمة، وكان مصدراّ لنزاعات ما زالت تتصاعد بين المحامين.

ومن أكثر القضايا التي ما زالت مثارة قضية تتعلق برجال اتهموا باعتداء جنسي، حيث استخدموا حجة السلوك الجنسي المرتبط بالنوم او ما يعرف بالسكسومانيا للدفاع عن أنفسهم (نيوساينتست، 28 اكتوبر/تشرين الأول ،2006 ص 40).

والسكسومانيا هي حالة تختلف عن حالة المشي اثناء النوم أو عن اية حالة أخرى معروفة، وقد تصاعد الجدل عندما زعم هؤلاء الرجال - وقد نجحوا في بعض الاحيان تماما- بأن افراطهم في شرب الكحول هو ما أثار عندهم السكسومانيا.

وقال بريسمان: انا وزملائي عارضنا هذا الدفاع بقوة على اساس انه لا يوجد دليل علمي يؤكد ان السكر الشديد يسبب المشي اثناء النوم.

لكنه اعترف بأن تلك قضية قانونية صعبة، اذ لا توجد دراسة واحدة على الاقل يمكنها ان تفسر ما حصل في دماغ شخص ما في ليلة ما في الماضي.

من المحطة الارضية للميجور طيار

كثيرا ما يخضع الطيارون واصحاب المهن الأخرى التي تتطلب اعمالهم يقظة عالية لاختبارات المحافظة على اليقظة الكاملة. وأثناء الاختبار يجلس الشخص على كرسي مريح في غرفة إضاءتها باهتة، ويطلب منه ان يظل في يقظة كاملة لمدة 40 دقيقة، ويعاد هذا الاختبار أربع مرات خلال ثماني ساعات. فإذا غلبه النعاس، فان ذلك يرصد بجهاز التخطيط الكهربائي للمخ (EEG) وحركة العينين وارتخاء عظم الفكين.

وعلى أية حال، فهذه المقاييس تعد بسيطة الى حد ما، وبكل الأحوال فإن الذين تكون اعمالهم على الجبهة يكونون متحفزين بقوة للبقاء يقظين.

ويقرّ علماء النوم ان هناك حاجة لاختبارات أكثر دقة وحساسية، ويعتقد الدكتور ديفيد دينكير من جامعة بنسلفانيا انه لديه واحدا من هذه الاختبارات. وما يوجد لديه هو اختبار يقيس زمن الاستجابة بواسطة ازرار يضغط عليها الخاضعين للاختبار بصورة متكررة في استجابتهم لضوء متواصل. ويدعي دينكيز أن هذا الاختبار الحركي النفسي لليقظة حساس بشكل لا يصدق للكشف عن عدم استقرار الحدود بين النوم و اليقظة الكاملة.

وقد تم ارسال نسخة مصغرة من هذا النظام إلى محطة الفضاء الدولية في يوليو/تموز الماضي، كي يستخدمها رواد الفضاء اثناء عملهم. فإن أظهر قدرتهم على القيام بعملهم بدقة، فربما يصبح قريباً متاحاً للطيارين والعاملين في محطات الطاقة الذرية أو آلاخرين الذين يعملون في أعمال تكون فيها المسألة اما حياة او موت.

المشي أثناء النوم

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن 10% من أطفال العالم يعانون من المشي أثناء النوم.

وهناك نوعان من المشي أثناء النوم:

* نوع أولي يحدث نتيجة خلل في آلية النوم، وهذا مرض منتشر وظاهرة تحدث في 10 إلى 15% من الأطفال. ويكون المريض نائماً ويقوم ببعض الحركات البسيطة ثم يعود للنوم ولا يتذكر شيئاً مما حدث.

* نوع ثانوي ويحدث في أي سن وهو نوع من الاضطرابات الهيستيرية نتيجة لضغوط نفسية معينة فيحاول الهروب من هذه المشكلة بالمشي أثناء النوم.

التعذيب باليقظة

أكدت وقائع التاريخ أن الحرمان من النوم الذي تمارسه قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الاسرى الفلسطينين كان أحد أساليب التعذيب التى تتبع ضد المساجين وأسرى الحروب لإجبارهم على الاعتراف والإدلاء بمعلومات.

وقد كتب عالم النفس السويسري هرمان هوبر وايدمان لفظ التعذيب باليقطة TORMENTUM VIGILAE الذى شاع عند الرومان وكذلك التعذيب بالأرق TORTURA INSOMNIAE في العصور الوسطى، إلا أن العلماء يتحدثون عن الحرمان من النوم كنوع من العلاج لمرضى الاكتئاب.

وقد رصد علماء النفس بعض المشاكل الناجمة عن الحرمان من النوم مثل تعطل وظائف الدماغ (التفكير، الاستنتاج، فقدان الذاكرة، والتركيز) والعصبية الزائدة وقلة الاستجابة للمؤثرات الصوتية والبصرية، واختلال وظائف الأعصاب الحركية مثل الإصابة بالرعشة وعدم توافق الحركات وغبش في الرؤية وبطء في الكلام مع التلعثم والهياج.. وهو ما يؤكد أن النوم ميزان العقل الذي يجب ألا يترك ليختل ويؤدى لانهيار الإنسان.

حالة غريبة

الحالة التالية ننقلها عن صاحبها كما وصفها على موقع في الإنترنت طالباً مساعدته على حلها، وهي تظهر ان هناك حالات اخرى غريبة ربما لم تكتشف بعد عن التداخل الذي يحدث بين حالتي اليقطة والنوم في منطقة الغشاوة في الدماغ.

يقول صاحب الحالة:

عمري 42 سنة، غير متزوج، واشعر بحالة غريبة ومفزعة بدأت معي منذ اكتر من 12 سنة تقريبا. وفي البداية كان تأثير هذه الحالة خفيفا ثم اختفت في فترة وجيزة ولم اعرها اهتماما كبيرا، اما الان فقد عاودتني منذ حوالي ثلاثة شهور، واشعر انها تكبر معي يوما بعد آخر.

وما يحدث هو اني اشعر عند النوم بالتحديد في لحظة الغفوة بين النوم واليقظة بقشعريرة في كامل بدني اقوم بعدها فزعا بشعور شديد من الخوف والهلع، ثم تعاودني كلما اردت النوم، فأظل هكذا حتى ساعة متأخرة قبل ان اغط اخيرا في النوم.

وحديثاً، اصبحت هذه الحالة تاخد طابعا آخر، فاشعر مثلا عند الغفوة وكأن تراباً رمي على وجهي فأقفز فزعا، أو أشعر بحركة في رموش عيني اليسرى بالتحديد ونادراً ما تنتقل الى العين اليمنى، او قد أشعر بأن حشرة تزحف على وجهي، أو دودة دخلت الى انفي، فأقوم فزعا خائفا، وكل ذلك يحدث قبل الدخول في النوم فقط. فأكرر الاستعاذة واقرأ اذكار النوم واقرأ القرآن، ومع ذلك لا تختفي.

وفي احدى الليالي اخيرا حدثت لي اشياء مفزعة بحيث اصبحت ارى عند الغفوة اشكالا قبيحة عند حدوث الاعراض سالفة الذكر، مثلا ارى جمجمة، او ارى رأساً قبيحاً، او ارى رأساً طويلاً مفلطحاً، واشياء اخرى غريبة لم ارها في حياتى.

وفي تلك الليلة قمت اصرخ بدون ارادة منى لأنى شعرت بشيء يغط على قلبي، ولم انم في تلك الليلة حتى الصباح.

اما في باقى الليالي فإنها تستمر معى ساعة او ساعتين ثم انام، واثناء النوم اكون طبيعيا ولا استيقظ حتى موعد استيقاظي العادي في الصباح. واثناء النهار لا اشعر اشعر بأي شىء غريب حياتي، وتكون حياتي عادية وطبيعية.

تداخل الحلم باليقظة

قد يسبب ظاهرة الاقتراب من الموت

قالت دراسة اولية ان عدم قيام المخ احيانا بالفصل بشكل واضح بين النوم واليقظة ربما يفيد في تفسير ظاهرة تجربة الاقتراب من الموت.

ولم يتم التوصل الى معرفة سبب رؤية بعض الناس الواناً لامعة وشعورهم انهم ينفصلون عن اجسادهم او احساسهم بشعور غير عادي حينما يكونون على وشك الموت او يعتقدون انهم يموتون.

ويعتقد البعض ان ما يسمى بتجارب الاقتراب من الموت هي دليل على الحياة الاخرى، ويعتبر الكثير من علماء الاعصاب هذه الظاهرة معقدة بشكل يستعصي على الدراسة العلمية.

ولكن الدراسة التي نشرت في دورية علم الاعصاب تقول ان اختلاط حالة النوم بحالة اليقظة هو سبب بيولوجي لتجربة الاقتراب من الموت.

واكتشف علماء ان البالغين الذين قالوا انهم مروا بمثل هذه التجربة كان من المحتمل انهم سبق ان حدث لهم ما يسمى تداخل الحلم بحالة اليقظة (REM intrusion.)

وعلى سبيل المثال فقد يشعر البعض بالشلل فور استيقاظهم او يرون هلاوس سمعية او بصرية عند النوم او الاستيقاظ.

ومن ضمن الخمسة وخمسين شخصا الذين خضعوا للدراسة وقالوا انهم مروا بتجربة الاقتراب من الموات مر 60 في المائة منهم بحالة امتداد الحلم لحالة اليقظة في إحدى مراحل حياتهم.

وطبقا لما قاله الباحثون في دراستهم التي قاد فريق البحث فيها كيفن ار. نيلسون وهو عالم اعصاب في جامعة كنتاكي في ليكسنجتون ان الاكتشافات توضح ان نظام استيقاظ المخ من النوم يجعل بعض الناس عرضة لامتداد الحلم لليقظة والمرور بتجربة الاقتراب من الموت. واوضح نيلسون في مقابلة ان نظام الاستيقاظ يقوم بتنظيم ليس فقط مرحلة النوم التي يحدث فيها أحلام وحركة سريعة للعين تحت جفون مغلقة وارتفاع لمعدل النبض ونشاط المخ (REM sleep) بل ايضا الانتباه والاحتراس اثناء ساعات العمل ومنها اثناء المواقف الخطيرة. وقال نيلسون انه اثناء مرور المرء بالمرحلة السابقة من النوم فإن مراكز الرؤية في المخ تكون نشطة جدا في الوقت الذي تشل فيه عضلات الاطراف مؤقتا. ولذلك فإن امتداد الحلم الى حالة اليقظة اثناء الخطر قد يؤدي الى رؤية اضواء والإحساس بالموت وهو ما يشعر به اشخاص عند اقترابهم من الموت.

وقال: ان هناك ادلة اخرى تؤيد ان لامتداد الحلم الى حالة اليقظة دوراً في تجربة الاقتراب من الموت. وقال نيلسون ان إحدى اهم الحقائق هي ان تحفيز العصب الحائر الذي يصل عنق المخ بالقلب والرئتين والأمعاء يسبب حالة امتداد الحلم لليقظة. وازدياد نشاط هذا العصب من المؤكد انه جزء من رد فعل الجسم ازاء الخطر.

وقال نيلسون ان الدراسة محايدة من الناحية الروحانية وانها تناولت فقط كيف ساعد المخ في تجربة الاقتراب من الموت وليس سبب وقوعها. واضاف اما السبب فلا يمكن التعامل معه بالبحث العملي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"