«ممالك النار» يرد الصاع صاعين

03:28 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

نهاية «ممالك النار» دفعتنا للحديث عنه مجدداً. وخالد النبوي يجبرك على الإشارة إليه بالخط العريض. أما «أبناء عثمان»، فقد شكلوا بتغريداتهم وتعليقاتهم حافزاً مهماً لمن لم يعلم بوجود هذا المسلسل، إلى البحث عنه ومشاهدته، واكتشاف أسباب غضبهم منه.
كل من يقنع نفسه بأن الدراما ما هي إلا «فرجة» للكسالى الممددين على الأرائك هو جاهل بمدى تأثير الشاشة على الناس، وبمدى اهتمام دول كبرى بما تنتجه من أعمال تقدم بها نفسها للعالم بالصورة التي تريدها، سواء كانت حقيقية أم مزيفة، والزيارات التي حرص أن يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لموقع تصوير مسلسل «قيامة أرطغرول» ورعايته «قيامة عثمان»، تؤكد الإشراف المباشر للسلطة على مضمون الدراما والرسالة التي ستغسل بها عقول المشاهدين حول العالم؛ ولأن العرب عرفوا كيف يردون الصاع صاعين من خلال مسلسل «ممالك النار» سمعنا صرخة الأتراك عبر تغريدات مسؤولين يستنكرون ما جاء في المسلسل، ويسخرون من خالد النبوي و«طومان باي» زاعمين أنه كان سفاحاً، وأن إنتاج الدراما العربية لا يقارن بالإنتاج التركي، وهو فاشل بكل المقاييس.
يسعدنا غيظهم، ونبارك لصنّاع «ممالك النار» والإنتاج الإماراتي و«إم بي سي» هذا العمل الضخم، الذي أسر المشاهدين وأثّر فيهم، لاسيما الحلقتين الثامنة، التي قتل فيها سليم الأول والده وإخوته وأطفالهم، والأخيرة التي تم إعدام طومان باي فيها. هي فعلاً مسك الختام؛ من حيث السيناريو والحوار والتصوير والإخراج والتمثيل. عالية في لغة الفن، وراقية عميقة في لغة الناس والمجتمع. تليق بالحدث، والأهم أنها، كما المسلسل بمجمله، تحترم عقولنا، وتخاطبنا بلسان الواعي والفاهم للتاريخ والحاضر والمستقبل.
المخرج بيتر ويبر نجح في التعامل مع الدراما العربية، وإدارة نجوم عرب بحرفية، ويبدو أنه تأثر برؤية المخرجين مصطفى العقاد في فيلمه «عمر المختار- أسد الصحراء»، وفرانكو زفيريللي في فيلمه التلفزيوني عن آلام السيد المسيح عام 1977، تحديداً في مشهد خروج طومان باي في شوارع المدينة، محاصراً بجنود الاحتلال العثماني، مقيداً بالسلاسل، ملطخاً بالدماء من جراحه الظاهرة، قانعاً راضياً هادئاً، مبتسماً رغم الحزن، الناس ينادون باسمه، يركضون لملاقاته ولمسه، وصولاً إلى المشنقة. المشهد ناجح، مؤثر، ومعبِّر. طبيعي أن يصوره كل مخرج وفق رؤيته، وأن يضع لمسة ترفع من نسبة الدراما في مثل هذه المشاهد.
أما خالد النبوي فكأنه ولد سينمائياً وتلفزيونياً أكثر من مرة. كل مشاركاته في أفلام المخرج الراحل يوسف شاهين وفي أفلام عالمية في كفة، وما قدمه في ثوب طومان باي في كفة أخرى. قمة النضج، وقمة الثقة بالنفس البعيدة عن الغرور. عرف كيف يصل إلى نقطة الالتقاء بين ضفتي الثقة التامة والتواضع التام في التمثيل، وهي النقطة التي لا يصيبها كل من يعمل في هذه المهنة؛ بل النخبة منهم، والنبوي صار من النخبة، وصار طومان باي على صورته في ذاكرتنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"