منظمة التجارة العالمية.. «ساحة حرب» ضد أمريكا

03:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال

جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف أغسطس 2019، تهديداته السنوية بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية «إذا لزم الأمر».
وفي كل مرة يسوق ترامب أسباباً ومبررات مختلفة لإصدار هذه التهديدات التي اعتادت المنظمة العالمية، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي، واليابان، على عدم الرد مباشرة عليها أحياناً، وتجاهلها تماماً في أوقات أخرى، بينما يسعى المسؤولون في إدارة ترامب إلى التقليل والتهوين منها.
غني عن البيان قيام الولايات المتحدة بجهود دؤوبة ومضنية خلال الفترة بين عامي 1947 و1995 للتوصل إلى اتفاقات تحرير التجارة العالمية، وتأسيس منظمة التجارة العالمية المختصة بتعزيز وتطبيق الدول الأعضاء الذين وصل عددهم لنحو 164 دولة حالياً لعدة مبادئ، أهمها: تحرير التجارة الدولية، وذلك بتخفيض التعريفة الجمركية وتخفيف أو إزالة القيود غير الجمركية، وعدم التمييز بين الدول الأعضاء في المعاملات التجارية، وتجنب سياسة الإغراق، وكذلك تجنب دعم الصادرات الذي يواجه بفرض رسوم مضادة للدعم. وتعد المبادئ والأسس السابقة الركيزة الرئيسة في الليبرالية الاقتصادية ومنظومة الاقتصاد الرأسمالي الحر.
غير أن دونالد ترامب تشكك في قدرات وإمكانيات المنظمات التجارية العالمية على حماية الاقتصاد الأمريكي من «غزو» الدول الأخرى للسوق الأمريكي، وإثراء هذه الدول وأغلبيتها من الدول النامية على حساب المواطنين الأمريكيين.
لذا وقع منذ وصوله لسدة الحكم في يناير 2017 عشرات القرارات الخاصة بفرض الرسوم الجمركية على عدة سلع يتم استيرادها من الخارج، تشمل الصلب والألمنيوم وغيرهما، وزيادة مخصصات الدعم للسلع الزراعية ومنتجات اللحوم الأمريكية، ضارباً عرض الحائط بالالتزامات والمبادئ والضوابط التي تسهر منظمة التجارة على فرضها.
واستخف ترامب في البداية بمساعي وتحركات الدول الأعضاء وأعلن أنه لا بديل أمام الدول المتضررة من قراراته «الحمائية» إلا بالتفاوض مع إداراته، لإبرام اتفاقيات تجارية أو اتفاقيات جديدة بدلاً من الاتفاقيات السابقة.
وتعددت خلال الفترة ما بين يناير 2017 وأغسطس 2019، الأسباب والحجج التي قدمها ترامب وبعض أعضاء إدارته للتهديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية التي من أهمها:
1 تعامل المنظمة «بشكل سيئ مع الولايات المتحدة» بإصدار لجنة فض المنازعات بالمنظمة عدة أحكام في قضايا تجارية دولية، لصالح خصوم الولايات المتحدة خلال هذه الفترة .
2 اتهام المنظمة بالتدخل في السيادة الأمريكية: وفقاً لنظام وجدول أعمال المنظمة يتم تخصيص عدة جلسات لمراجعة وتقييم السياسات التجارية للدول الأعضاء، وعقب إصدار ترامب قراراته الخاصة بفرض الرسوم الجمركية على الواردات الخارجية، استخدمت الصين ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول المتقدمة والنامية المتضررة من قرارات ترامب، هذه الجلسات في التنديد بهذه القرارات لتعارضها واصطدامها المباشر مع قواعد ومبادئ حرية التجارة العالمية.
ومن أبرز هذه الجلسات تلك التي عقدت في نهاية ديسمبر 2018، والتي طالب فيها مبعوث الصين في منظمة التجارة العالمية، الولايات المتحدة بالالتزام بمبادئ وأسس التجارة العالمية الحرة، وهو ما رفضه المندوب الأمريكي الذي ادعى أن بلاده لا تتبنى سياسات حمائية، لكنها تدافع فقط على نفسها أمام دول مثل الصين التي تقوم بأفعال غير متوائمة مع التوجه الذي يعتمد على الانفتاح والسوق الذي تتبعه الدول الأخرى في المنظمة، كما أنها تناقض المبادئ الأساسية للمنظمة واتفاقياتها؛ لذا اعتبر ترامب وبعض أفراد إدارته أن المنظمة أصبحت تستخدم «كساحة حرب ضد الولايات المتحدة والتدخل في السيادة والأمن القومي الأمريكي».
3 رفض ترامب التسهيلات والمزايا الممنوحة للدول النامية بالمنظمة، حيث ادعى أن بعضاً من الدول النامية في منظمة التجارة العالمية يتعين إعادة النظر في المزايا والتسهيلات والإجراءات الحمائية الممنوحة لها.
وتباينت ردود الفعل الداخلية الأمريكية والدولية على تهديد ترامب التي تراوحت بين الحذر والتشكيك فيها، وبين التنديد بها ورفضها؛ بل واتهام ترامب بمحاولة تخريب وتجميد عمل المنظمة العالمية عموماً، ولجنة فض وتسوية المنازعات بها.
فقد أعلنت روسيا رداً على تهديد ترامب، أن وجود منظمة التجارة العالمية سيكون على المحك إذا انسحبت اقتصادات كبيرة مثل الولايات المتحدة منها، ونوهت روسيا بأن قرار الولايات المتحدة في هذا الصدد هو شأن أمريكي داخلي، تُعنى به المؤسسات السياسية الأمريكية، بينما اتخذ الاتحاد الأوروبي منحى وسلوكاً مختلفاً، يرمي إلى إنشاء منظمة تجارة عالمية لا تضم الولايات المتحدة في عضويتها. ورصدت وسائل الإعلام في يونيو 2019 قيام سيسيليا مالمستروم، المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة بالتشاور مع الدول الأعضاء، وكندا والصين، في إمكانية إنشاء محكمة تحكيم جديدة خارج منظمة التجارة العالمية، بما يفضي في النهاية إلى تأسيس «منظمة تجارة عالمية مصغرة» جديدة دون مشاركة الولايات المتحدة.
ووفقاً لبيان صحفي أصدرته المنظمة في منتصف أغسطس 2019، عقب تهديد ترامب بالانسحاب من المنظمة تضمن حياد ونزاهة أعضاء آلية فض المنازعات بالمنظمة، والذين أصدروا نحو 90 حكماً لصالح الولايات المتحدة في القضايا التي رفعتها الإدارة الأمريكية ضد خصومها التجاريين الذين حصلوا على نحو 95 حكماً في قضايا ودعاوى قدموها ضد الممارسات التجارية الأمريكية.
لذا لم يكن من المستغرب قيام ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأمريكي، بمحاولة تهدئة الأجواء الحادة التي خلقتها تصريحات ترامب بشأن منظمة التجارة العالمية بالادعاء أنها «مجرد مبالغة» استتبعها صدور تصريح جديد من ترامب ينفي فيه اعتزامه الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، وتفكيره في المشاركة في تصحيح مسار وطرائق عمل المنظمة في المستقبل.

باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"