«مكافآت» أوروبية مؤجلة لكوريا الشمالية

03:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد قنديل*

خلال جولته الأوروبية التي قام بها لمدة تسعة أيام، وقادته إلى باريس وروما وبروكسل وكوبنهاجن، لاقى رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-ان دعماً أوروبياً محدوداً لتخفيف العقوبات الدولية والأوروبية المفروضة على كوريا الشمالية. ورغم أن الرئيس مون حاول جاهداً، خلال هذه الجولة، توضيح التغييرات الإيجابية المستمرة في ظروف السلام في شبه الجزيرة الكورية، والتي هيأتها القمم الثلاث بين الكوريتين واللقاء التاريخي الذي جمع كيم جونج أون ودونالد ترامب، إلاّ أن الأوروبيين مالوا إلى الاستمرار على موقفهم الرافض لمنح كوريا الشمالية أي «مكافآت» أو «حوافز» حتى تتخلى عن برامجها النووية بشكل كامل ونهائي.
في ظل التعثر الحالي في المفاوضات المباشرة بين واشنطن وبيونج يانج، والذي برز في إلغاء الرئيس ترامب، زيارة كانت مقررة لوزير خارجيته مايك بومبيو إلى كوريا الشمالية الشهر الماضي، نتيجة عدم توصل الجانبين إلى اتفاق بشأن جدول زمني واضح ومحدد لنزع السلاح النووي الكوري الشمالي، كان الرئيس الكوري الجنوبي يأمل في الحصول على دعم القادة الأوروبيين لتشجيع كوريا الشمالية، على التخلي عن برامجها النووية، على غرار ما فعلوه مع إيران سابقاً، ولكن الأوروبيين حطموا آمال الرئيس مون ببرود شديد. فرغم أن الرئيس الكوري الجنوبي أكد لنظرائه الأوروبيين أن المحادثات مع الجار الشمالي تسير «على المسار الصحيح»، الأمر الذي يستلزم تخفيف العقوبات المفروضة على نظام بيونج يانج ك«هدية» للمبادرات المختلفة التي اتخذها الزعيم الكوري الشمالي لوقف تطوير برنامجه النووي، من قبيل وقف التجارب النووية والصاروخية وفتح موقع التجارب النووية تحت سطح البحر في بونجي - ري، أمام المفتشين الدوليين، أصر المسؤولون الأوروبيون، على ضرورة مواصلة الضغط على بيونج يانج «بأقصى قدر ممكن» حتى تتخلى بشكل كامل عن أسلحتها النووية، على حد تعبير رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك.
ويرى كثير من الخبراء أن دول الاتحاد الأوروبي تستطيع أن تلعب دوراً إيجابياً وبنّاءً، في التوصل إلى السلام في شبه الجزيرة الكورية، خاصة أنها تمتلك كثيراً من الأوراق الدبلوماسية والاقتصادية والفنية المهمة. فهي من ناحية، تستطيع دعم الحل السياسي للقضية النووية لكوريا الشمالية من خلال تشجيع التوصل إلى معاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. كما
يمكن للاتحاد الأوروبي أيضاً أن يعرض استئناف حواره السياسي مع كوريا الشمالية، حيث كان آخر اجتماع رسمي بين بروكسل وبيونج يانج في عام 2015.
ومن جهة أخرى، يعد الاتحاد الأوروبي قوة عظمى اقتصادياً (حيث يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم)، وبالتالي يستطيع تقديم العديد من الحوافز الاقتصادية والمساعدات الإنسانية (خاصة في مجالي الدواء والغذاء) للكوريين الشماليين، لتحفيزهم على التخلي عن برامجهم النووية والصاروخية. كما أن الاتحاد الأوروبي يستطيع أيضاً توفير المزيد من فرص التدريب والتعليم للمسؤولين الكوريين الشماليين وطلاب الجامعات. كذلك يمكن مشاركة
تجارب دول وسط وشرق أوروبا في الانتقال من الشيوعية إلى الرأسمالية مع بيونج يانج، لدعم الجهود المبذولة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي. ومن ناحية ثانية، يمكن للمملكة المتحدة وفرنسا أيضا أن تلعب دوراً فنياً مهمّاً إذا ما تحركت بيونج يانج بالفعل في طريق نزع السلاح النووي، خاصة أن الدولتين لديهما خبرة طويلة في خفض المخزون من الرؤوس النووية وفي نقل المواد النووية وتخزينها والتخلص منها.
ومن ناحية ثانية، يصب التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة الكورية في مصلحة الأوروبيين من الناحيتين السياسية والأمنية، خاصة أن كوريا الجنوبية هي إحدى «الدول ذات التفكير المماثل» والتي لدى الاتحاد الأوروبي شراكة استراتيجية رسمية معها. وأمنياً، يتخوف الأوروبيون من سيناريو كابوس يقوم على قيام إحدى الجماعات الإرهابية المتشددة في منطقة الشرق الأوسط بتفجير «قنبلة قذرة» في عاصمة أوروبية باستخدام مواد نووية مصدرها كوريا الشمالية. وبالتالي يعد تقليص إمكانية قيام كوريا الشمالية بشحن المواد النووية إلى منطقة الشرق الأوسط، من خلال تسوية الأزمة الكورية، أمراً
منطقياً ومرغوباً من المنظور الأمني الأوروبي.
ومع كل ذلك، يمكن القول إن الجولة الأوروبية الأخيرة للرئيس مون فشلت في إقناع القادة الأوروبيين بأهمية استراتيجيته الرامية إلى رفع العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانية إلى الكوريين الشماليين كمكافأة لهم على الخطوات الإيجابية التي قطعوها، حتى كتابة هذه السطور، من أجل نزع برامجهم النووية والصاروخية. ومما يدلل على ذلك عدم صدور بيان ختامي عن القمة الأوروبية - الكورية الجنوبية، التي عقدت يوم الجمعة الماضي، نتيجة استمرار وجود فجوة كبيرة في وجهات النظر بين سيؤول وبروكسل بشأن كيفية التعامل المستقبلي مع كوريا الشمالية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه الجولة، وما كشفت عنه من نتائج، إلى إثارة غضب واشنطن، من مساعي الرئيس مون، الرامية إلى التخفيف من عزلة الشمال دولياً، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض نفوذ الأمريكيين وأهدافهم في محادثات نزع السلاح النووي مع بيونج يانج. ومما يزيد من قلق وهواجس صانعي القرار في واشنطن أن الرئيس مون قد بدأ يلعب دوراً بديلاً للرئيس الكوري الشمالي على
المسرح الدبلوماسي في الأشهر الأخيرة. فعلى سبيل المثال، التقى الرئيس مون مع البابا فرانسيس في الفاتيكان وسلمه ما وصفه برسالة من الزعيم الكوري الشمالي تدعو البابا لزيارة بيونج يانج، لكسب المباركة البابوية لجهودها لتصبح دولة طبيعية، في وقت لم يسبق لأحد الباباوات أن زار كوريا الشمالية. ومن ناحية أخرى، أعلن رئيس كوريا الجنوبية أيضاً أن الزعيم الكوري الشمالي «يعتزم زيارة روسيا قريباً».
على أي حال، تحركات الرئيس الكوري الجنوبي الأخيرة، سواء تجاه أوروبا أو روسيا، تشير إلى قناعة متزايدة لدى كثير من المراقبين، مفادها أن الأزمة الكورية لن تنتهي طالما لم تتم إعادة النظر في مجلس الأمن الدولي بشأن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، بشقيها الدولي المفروض في مجلس الأمن والعقوبات أحادية الجانب التي تتبناها دول غربية. ففي نهاية المطاف، لا يمكن أن يعمل الضغط وحده. وبالتالي، يحتاج المجتمع الدولي إلى تقديم حوافز إلى بيونج يانج لاتخاذ خطوات حقيقية نحو نزع السلاح النووي. فاستمرار الموقف الأمريكي والأوروبي المتشدد تجاه الكوريين الشماليين، لن يساعد على تحقيق النزع النووي من شبه الجزيرة الكورية، بل على العكس ربما يؤدي إلى توتر شديد يقضي على التحسن الكبير الذي طرأ على العلاقات بين سيؤول وبيونج يانج هذا العام.

*خبير الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"