لبنان في عنق الزجاجة

05:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: رامي كفوري

اشتدي أزمة تنفرجي، أو اشتدي أزمة تنفجري؟
هذا السؤال المشروع يطرحه اللبنانيون وهم يشهدون الحراك الشعبي الثائر يغطي كل الساحات، ويوحد بينهم على أساس مطلبي لا طائفي أو مناطقي، لكن تعقيدات الوضع اللبناني يكمن في أنيابها عطب ينبغي معرفة كيفية التعاطي معه، حتى لا تنجح هذه التعقيدات في تفخيخ الحراك، ودفعه نحو مسارات أخرى تتنافى مع الطبيعة العفوية الصادقة له.
يبدو أن أركان الحكم جميعاً، المتخاصمين منهم والمتصالحين، شعروا بجدية المخاطر التي تتهدد لبنان، ومستقبلهم السياسي، وانعكاسها سلباً على الاستقرار العام في البلاد، فبادروا إلى وضع مكعبات الثلج في أكوابهم الساخنة، والتفكير في موضوع استنباط المخارج لهذا الزلزال الذي كسر رتابة المشهد السياسي، ووضع لبنان في مكان لم يشهده منذ إعلانه دولة كبيرة قبل ما يقارب القرن.
لقد انصب الحراك السياسي في الأيام القليلة الماضية على احتواء ما حصل من هزات واهتزازات ارتدادية، في ظل توتر نشأ عن استمرار قطع الطرق، وتعطيل دورة الحياة، وحرص الجيش والقوى الأمنية على عدم الاصطدام بالمواطنين، واستمرار الخسائر في القطاعين العام والخاص المقدرة بين ١٥٥ إلى ٢٢٥ مليون دولار يومياً.

الجيش يفتح الطرقات

في هذا السياق كان تدخل الجيش الفاعل والحاسم لفتح الطرقات المغلقة يوم الثلاثاء الماضي، بعد طول انتظار ومناشدة، متزامناً مع تباشير جديدة تمثلت في اللقاء المطول الذي عقد بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بعدما بلغ الخلاف بينهما درجة متقدمة ترجمت في الشارع بتوترات ملحوظة. كذلك بعدما ورد إلى مخابرات الجيش معلومات موثقة بأن استمرار إغلاق الطرق سيكون مولداً لصدامات مباشرة وخطرة بين من يصر على موقفه بإغلاق الطرق ومن يطالب بضرورة فتحها، وضمان حرية التنقل عبرها، في ظل احتدام حرب إعلامية طاحنة لجأ المشاركون فيها إلى المحظور وغير المحظور، وتخطت في بعض الأحيان الحدود الأخلاقية، ولامست الكرامة الشخصية للناس، على الرغم مما طبعها من لمسات «إبداعية» وإيحاءات «فكاهية» دلت على ما يتمتع به اللبنانيون من حس إبداعي وابتكار(!)
لقد كثرت الطروحات والسيناريوهات التي تقترح خريطة طريق لحل مستدام.. طروحات اختلطت فيها الواقعية باليوتيوبيا.. لكن في المحصلة فرض ما حصل إيقاعه على الطبقة السياسية كلها، ولو حاولت بعض القوى التذاكي، والتماهي بادعاء احتضان الحراك بغرض الحد من خسائرها.
من هنا يمكن القول: إن المسؤولين «استحقوها»، وبدؤوا في التفتيش عن وسيلة للخروج من عنق الزجاجة، لأن تغاضيهم سيكون مدمراً.

«إثم» التقصير

حاول الرئيس سعد الحريري «غسل يديه» من «إثم» التقصير الذي شكل سمة الحكومة المستقيلة، ووليد جنبلاط رفع السقوف ضد الحكومة التي شارك فيها بفاعلية، والقوات اللبنانية أنشأت خطاً ساخناً موازياً لحراك الساحات من خلال تصدر مشهد قطع الطرق في المناطق المسيحية إمعاناً في الضغط على رئيس الجمهورية وفريقه. ولعل هذه «البانوراما» دفعت أنصار تيار المستقبل إلى النزول إلى الشارع في بيروت ومناطق العمق المؤيدة له في سعي من التيار لاستثمار النقمة الشعبية، وتوظيفها لدعم موقف رئيس الحكومة المستاء من التأخير المتعمد في الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة الذي سيكلف وضع التشكيلة الجديدة. كما دفعت أنصار التيار الوطني الحر إلى تنظيم تظاهرة حاشدة إلى القصر الجمهوري، يوم الأحد الماضي، دعماً للرئيس ميشال عون، والوزير جبران باسيل، وللتدليل على أنه لا يزال الطرف السياسي والشعبي الأقوى على المستوى المسيحي.
ويرى المراقبون أن هذا التداعي في الأوضاع أنتج، بتفاعلاته وتطوراته، ضرورة لقاء الحريري - باسيل الذي أنتج الآتي في سلوك أهل الحكم:
أ‐ وجوب الإقرار بأن هناك ضرورة لاعتماد مقاربات جديدة للوضع في لبنان، والاعتراف بأن هناك أزمة ينبغي التصدي لها، وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود، بل الانتقال إلى العمل وضرب الفاسدين والمفسدين والمرتكبين، وملاحقتهم إلى أي جهة أو طائفة انتموا، وذلك لامتصاص النقمة العارمة لدى الأوساط الشعبية.
ب‐ وجوب تعديل التسوية الرئاسية، وتبديل شروطها، وتصحيح موازينها إذا أريد لها أن تستمر محصنة ضد أي اهتزازات.
ج‐ الاعتراف بالأزمة الاقتصادية والحياتية، وبوجود حراك شعبي مستقل عن الأحزاب والأجندات السياسية الداخلية أو الخارجية.
د- ضرورة إحداث صدمة إيجابية تطمئن الرأي العام، وذلك يكون من خلال:
* تشكيل حكومة جديدة، قد لا يكون رئيسها سعد الحريري، ولا تضم الوزير باسيل، بل مجموعة من التكنوقراط الذين تدعم وجودهم الأحزاب الرئيسة الممثلة في البرلمان، إضافة إلى ممثلين عن الحراك. وهكذا تكون قد تحققت وحدة المعايير في التكليف والتأليف.
* مبادرة المجلس النيابي إلى مناقشة وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المحالة إليه بالسرعة التي توحي بأن هناك جدية في العمل، وأن ما يجري ليس مجرد امتصاص للنقمة والالتفاف على المطالب الشعبية، وفي مقدمها استعادة الأموال المنهوبة، وهو ما «بشرت» به دعوة المجلس للانعقاد أوائل الأسبوع المقبل.

غسل القلوب «المليانة»

ويضيف المراقبون أنه لا شك أن لقاء الحريري - باسيل الذي ستليه لقاءات، كان مناسبة لغسل القلوب «المليانة»، وإفشاء رئيس الحكومة عما يعتمل في صدره من غضب من طريقة تعامل وزير الخارجية معه، وإحراجه له بطروحات علنية مستفزة لجمهوره، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا، وعودة نازحيها إليها من لبنان. كذلك كان هناك عتاب حول العديد من الملفات الداخلية الخلافية حول قضايا حيوية. بالطبع، يقول المراقبون، دافع باسيل عن نفسه، مورداً الذرائع التي تدعم وجهة نظره، لكن منطق «كلنا في مركب واحد، إما أن نغرق جميعاً أو ننجو جميعاً» كان هو الطاغي في اللقاء، ليس لأن مصير كليهما ومستقبلهما السياسي في خطر، بل لأن البلاد ستكون أمام المجهول، خصوصاً في غياب قيادات معلنة للحراك.
والسؤال يبقى مطروحاً: «هل أن لبنان هذه المرة أمام آفاق جديدة تشي بأن الحل ممكن وقريب، أم أن البلاد أمام هدنة سرعان ما تزول بزوال أسبابها؟». إن غداً لناظره قريب!!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"