سيؤول وطوكيو.. «نكسة» بين حليفين

03:28 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد قنديل


في خطوة جديدة صادمة من شأنها رفع مستوى التوترات وتوسيع هوة الخلافات التجارية والأمنية بين سيؤول وطوكيو، قررت كوريا الجنوبية، في 22 أغسطس 2019، إلغاء اتفاق لتبادل المعلومات الاستخبارية العسكرية مع اليابان، لأنه «لا يخدم المصلحة الوطنية» لها. ويسمح هذا الاتفاق، الذي يعرف باسم «اتفاق الأمن العام للمعلومات العسكرية»، لحكومتي الدولتين بتبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بأنشطة كوريا الشمالية النووية والصاروخية. وقد بدأ سريان هذا الاتفاق، بطلب من طوكيو وتشجيع قوي من جانب واشنطن، حليفة الدولتين، في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك 29 حالة لتبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية بين سيؤول وطوكيو، بما في ذلك ثلاث حالات لهذا العام نتيجة إجراء بيونج يانج سبع تجارب صاروخية.
إلغاء اتفاق تبادل المعلومات العسكرية بين سيؤول وطوكيو، والذي من المقرر أن تنتهي صلاحيته في 23 نوفمبر المقبل، سوف يؤدي على الأرجح إلى جعل كوريا الجنوبية معزولة دبلوماسياً في الفترة المقبلة من جانب أقرب حلفائها على المستويين الأمني والدبلوماسي. حيث انتقدت كل من واشنطن وطوكيو القرار الكوري الجنوبي. فمن ناحية، عبرت الولايات المتحدة، من خلال وزارتي الخارجية والدفاع، عن «قلقها وخيبة أملها» تجاه سيؤول، مشيرة إلى أن قرارها بوقف تبادل الاستخبارات العسكرية مع طوكيو سوف يزيد من التحديات الأمنية في شمال شرق آسيا. وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى دعوة كل من كوريا الجنوبية واليابان إلى تنحية خلافاتهما جانباً والتركيز على التحديات العسكرية والأمنية التي تفرضها الصين وكوريا الشمالية. أما رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد فقد وصف الخلاف بين سيؤول وطوكيو بأنه يمثل «نكسة» في العلاقة بين الحليفين الأمريكيين، والتي وصفها ب«المهمة للغاية»، إلا أنه نفى أن يكون لهذا الخلاف أي تأثير في العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
ومن جهته، أعرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عن أسفه لعدم تمديد الاتفاق المذكور مع سيؤول، مؤكداً أن طوكيو لا تريد أن تؤثر الخلافات التجارية القائمة مع الكوريين الجنوبيين بشكل سلبي في علاقات التعاون الأمني والاستراتيجي الثلاثي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان. ومن ناحيته، وصف وزير الخارجية الياباني تارو كونو قرار سيؤول إلغاء الاتفاق الأمني مع بلاده ب«المؤسف جداً»، مؤكداً أنه يمثل «خطأ فادحاً» من جانب سيؤول في تقييم وضع الأمن الإقليمي.

تبادل غير مباشر

وفي مواجهة الانتقادات العنيفة من جانب واشنطن وطوكيو، قلل البيت الأزرق في كوريا الجنوبية من الآثار الأمنية والاستراتيجية لقرار إلغاء تبادل المعلومات العسكرية مع اليابان. حيث صرح نائب مستشار الأمن القومي كيم هيون تشونج بأن كوريا الجنوبية ستواصل تبادل المعلومات الاستخباراتية مع طوكيو، ولكنّ من خلال واشنطن، وليس بطريقة مباشرة كما كانت عليه منذ 2016، مشيراً إلى أن الدول الثلاث ترتبط باتفاق لتبادل المعلومات. ومن ناحية ثانية، أعرب رئيس الوزراء الكوري لي ناك يون عن استعداد سيؤول لإعادة النظر في إنهاء اتفاق تبادل المعلومات العسكرية مع اليابان إذا عدلت طوكيو عن قرارها بإزالة اسم كوريا الجنوبية من «القائمة البيضاء» للدول التي تتلقى معاملة تجارية تفضيلية.
ويأتي قرار سيؤول إلغاء الاتفاق الأمني مع طوكيو بعد تنامي التوتر بين الدولتين في عدد من القضايا المرتبطة بالتجارة وبتصفية آثار الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية قبل الحرب العالمية الثانية، حيث أعلنت الحكومة اليابانية في مطلع يوليو الماضي، أنها ستفرض قيوداً على الشحنات التجارية التي تستخدمها شركات كورية جنوبية كبرى في صناعة الرقائق والهواتف الذكية. وجاءت هذه الخطوة اليابانية كإجراء «انتقامي»، بعدما طالبت محاكم كورية جنوبية، في وقت سابق من العام، شركات يابانية بدفع تعويضات إلى ضحايا العمل القسري الكوريين خلال الحكم الاستعماري الياباني لشبه الجزيرة الكورية في الفترة من 1910 إلى 1945، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة اليابانية الحالية بشكل قاطع، استنادا إلى أن هذه التعويضات قد تم تسويتها بشكل نهائي وكامل عند توقيع طوكيو معاهدة عام 1965 لإقامة علاقات دبلوماسية مع سيؤول. لكن القضاء الكوري الجنوبي اعتبر مراراً أن هذه المعاهدة المثيرة للجدل لا تتعلق بالعمل القسري لكوريين جنوبيين في مصانع يابانية.

تقويض الأمن والاستقرار

على أية حال، يعكس قرار سيؤول إلغاء اتفاق تبادل المعلومات العسكرية مع طوكيو التدهور السريع والمستمر في العلاقات اليابانية - الكورية الجنوبية، حليفي الولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا، وهو ما يدفع عدداً من المراقبين إلى التحذير من أن استمرار هذا التدهور في العلاقات بين الجارين الآسيويين من شأنه أن يقوض الأمن والاستقرار في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، ويضعف من قدرتهما على اكتشاف وتقييم مدى التطور في البرامج الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية، خاصة أن مسألة تبادل المعلومات العسكرية الحساسة عبر واشنطن لن يكون، على الأرجح، كافياً لتحقيق مصالح الدولتين. فالتعاون الاستخباراتي بين الجانبين عبر واشنطن سيتطلب تفاوض الدول الثلاث على تبادل المعلومات الاستخباراتية على أساس «كل حالة على حدة»، وهو الأمر الذي سيجعل هذا التبادل المعلوماتي مرهقاً جدّاً وغير عملي للغاية وعديم الفائدة تقريباً في (حال حدوث) أزمة كإطلاق صاروخ أو إجراء تجربة نووية، حسبما يؤكد الخبراء الأمنيون.
ومن جهة أخرى، ليس من المستبعد أن يؤدي إلغاء الاتفاق أيضاً إلى زيادة التوتر بين الدولتين حول جزر تاكيشيما/دوكدو، المتنازع عليها في بحر اليابان. وهو الأمر الذي برز بوضوح في 25 أغسطس الماضي، أي بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان كوريا الجنوبية عن قرارها بإلغاء اتفاق تبادل المعلومات العسكرية مع اليابان، حيث أطلقت سيؤول مناورات عسكرية ضخمة في هذه الجزر وحولها مؤكدة أنها سوف «تدافع عنها حتى النهاية».
ومن ناحية أخرى، يشير المراقبون إلى أن إلغاء اتفاق تبادل المعلومات العسكرية بين سيؤول وطوكيو قد يضر بالمصالح الأمنية الأمريكية، خاصة بعد أن أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتاجوس في تغريدتها على «تويتر» أن هذا الإلغاء قد يعرض القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية «لمزيد من المخاطر». ومن ناحية أخرى، لا شك أن عدم تجديد الاتفاق الأمني بين سيؤول وطوكيو سيعزز من وضع الصين وروسيا في منطقة شمال شرق آسيا، أو على الأقل «سيجعل هيكل التحالف بين الولايات المتحدة وحلفائها أقل تهديداً»، من وجهة نظر بكين وموسكو. ومن المؤشرات الدالة بقوة على ذلك قيام كل من روسيا والصين مؤخراً بعمل استفزازي غير مسبوق في المنطقة، وهو إرسال طائرات عسكرية إلى مناطق حول اليابان وكوريا الجنوبية للقيام بأنشطة استطلاع مشتركة، وهو الأمر الذي يلقي بظلال داكنة حول التداعيات السلبية على المشهد الأمني ​​في شمال شرق آسيا نتيجة العلاقة المتدهورة بين طوكيو وسيؤول وضعف التعاون الأمني ​​الثلاثي بين اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

* رئيس برنامج دراسات الطاقة وخبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
  [email protected]  

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"