قمة الساحل الإفريقي.. الإرهاب يتصاعد

03:35 صباحا
قراءة 5 دقائق
جهاد عمر الخطيب

في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، استضافت مدينة بو Pau، الواقعة جنوب غرب فرنسا، قمة وُصِفت بالاستثنائية حيث اجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع قادة دول الساحل الإفريقي الخمس (تشاد، والنيجر، وبوركينافاسو، ومالي، وموريتانيا) لبحث التحديات التي تواجهها المنطقة جراء تصاعد الأعمال الإرهابية وتزايد الهجرة.
شارك في القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وتضمنت المباحثات إعادة تقييم إطار وأهداف الوجود العسكري الفرنسي في إقليم الساحل الإفريقي فضلاً عن وضع الأسس الرامية لزيادة الدعم الدولي للإقليم الذي يواجه وضعاً أمنياً متردياً تكتنفه كثير من التحديات المرتبطة بالمهاجرين والنازحين الذين تفاقمت أعدادهم خلال السنوات الثلاث الماضية جراء استشراء التنظيمات الإرهابية المسلحة.
وقد انعقدت القمة السداسية في ظل مشهد أمني وسياسي على قدر كبير من التعقيد، حيث شهدت الآونة الأخيرة تصعيداً للرأي العام في دول الساحل الخمس ضد الوجود العسكري الفرنسي، والذي يقدَّر بحوالي 4500 عسكري فرنسي ما دفع لخروج مظاهرات مناوئة لهذا التواجُد العسكري في مالي وغيرها من دول الساحل الإفريقي للمطالبة برحيل القوات الأجنبية بصفة عامة والفرنسية على وجه الخصوص.
وقد دفع هذا التنامي الملحوظ لمشاعر العداء ضد الوجود الفرنسي في دول الساحل، الرئيس الفرنسي إلى مخاطبة قادة هذه الدول، مطلع ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، لتوضيح موقفهم إزاء القوات الفرنسية المتمركزة هناك. وقد كشفت تصريحات «ماكرون» عن قناعته بعدم قدرة القوات الفرنسية على متابعة جهودها العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية في إقليم الساحل الإفريقي دون الحصول على دعم وتأييد دول الإقليم لهذا التواجُد الفرنسي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل كانت هناك محفِّزات أخرى جعلت انعقاد قمة «بو» أمراً ضرورياً في هذا التوقيت، حيث شهد عام 2019 عدداً غير مسبوق من الهجمات الإرهابية على العسكريين والمدنيين بدول الساحل الإفريقي. وهذا الأمر قد أظْهره بشكل جلي التقرير الذي قدَّمه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى غرب إفريقيا ومنطقة الساحل «محمد بن شامباس» لمجلس الأمن الدولي مطلع العام الجاري.

تضاعف هجمات الإرهابيين

وقد أكَّد التقرير الصادر عن المبعوث الأممي تضاعُف أعداد ضحايا هجمات التنظيمات المسلحة بدول الساحل إلى أكثر من 5 مرات؛ إذ وصل العدد إلى 4 آلاف قتيل خلال عام 2019 وحده في حين بلغت إحصائيات ضحايا الهجمات الإرهابية خلال السنوات الثلاث السابقة مجتمعة حوالي 700 قتيل. وفي دولة مثل بوركينافاسو، على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت أعداد ضحايا الهجمات الإرهابية من 80 قتيلاً في عام 2016 إلى ما يربو على 1800 قتيل خلال عام 2019. ومن ثم كانت كل الخيارات موضوعة على طاولة نقاش القمة السّداسية بما في ذلك خيار انسحاب القوات الفرنسية من الإقليم.

الوجود العسكري الفرنسي

أسفرت القمة عن عدد من المخرجات جرت بلورتها في البيان الختامي، الذي جاء داعماً لاستمرار القوات العسكرية الفرنسية في دول الساحل في إطار الجهود الفرنسية لمكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة لا سيما أنَّ هذا الانخراط العسكري الفرنسي يرمي إلى الحيلولة دون تمدّد هذه التنظيمات وإعادة الاستقرار إلى هذه الدول التي أنهكتها هجمات تلك التنظيمات.
ودعا بيان القمة أيضاًَ إلى ضرورة دفع التنسيق الدولي للمُضي قدماً في تنفيذ المبادرات القائمة في إقليم الساحل تعزيزاً لمسؤولية المجتمع الدولي إزاء الوضع الأمني للإقليم؛ ولذا جاءت تأكيدات رؤساء دول الساحل على الحاجة لإجراء محادثات مع كافة الشركاء الدوليين بغية الاتفاق على إعادة صياغة إطار سياسي واستراتيجي وآليات عمل تكون بمثابة بداية لمرحلة جديدة في مكافحة التنظيمات الإرهابية بإقليم الساحل الإفريقي.
ولعل أبرز مخرجات القمة تمثَّل في الإعلان عن تأسيس «تحالف من أجل الساحل» يضم دول الساحل بالإضافة إلى فرنسا لمكافحة التنظيمات الإرهابية، التي تتخذ من بحيرة تشاد مرتعاً لها، على أن يتم إعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الإفريقية التي أعلنت ولاءها للخلافة الإسلامية. ويُفْتح المجال تدريجياً لانضمام أيٍ من الدول الراغبة في دعم الاستقرار الأمني لدول الإقليم. بالإضافة إلى تأسيس «تحالف من أجل الساحل»، ثمة مخرجات بارزة تمخَّضت عنها القمة السّداسية نذكر منها:

القرارات

* أولاً: الترحيب بمبادرة الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، إذ أكَّد رؤساء دول الساحل الحاجة المُلحة لهذه المبادرة التي أطلقتها كل من فرنسا وألمانيا، وغيرها من المبادرات الرامية إلى تدريب الجيوش النظامية لدول الساحل وتقديم الدعم اللوجستي لها بما يؤهِّلها لمكافحة التنظيمات الراديكالية.
* ثانياً: اتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان عودة الدولة ومؤسساتها، إذ تعهَّد رؤساء دول الساحل لاتخاذ كافة الإجراءات الرامية إلى عودة الدولة ومؤسساتها من جديد لا سيما المؤسسات القضائية والأمنية لضمان سيادة حكم القانون ودرءاً لظاهرة الفضاءات غير المحكومة أو الحيلولة دون وجود أقاليم لا تصل إليها سلطة الدولة بما يجعلها ملاذاً للتنظيمات الإرهابية.
* ثالثاً: المساعدات التنموية؛ فقد دعا رؤساء الدول الشركاء الدوليين إلى الالتزام بالتعهدات التي أطلقوها في مؤتمر المانحين الذي انعقد في نواكشوط في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018 من أجل تنفيذ برنامج الاستثمار الأساسي لمجموعة دول الساحل G5؛ فمن شأن الالتزام بهذه التعهّدات أنْ يوفر الدعم اللازم لدول الساحل لمواجهة العديد من التحديات الراهنة المتمثلة في ملفات عدة لعل على رأسها النازحين واللاجئين وتوفير ظروف آدمية لهم.
ومحصلة القول إنَّ قمة «بو» الفرنسية قد نجحت في تحقيق مبتغاها المتمثِّل في إضفاء شرعية على قواتها العسكرية المتمركزة في إقليم الساحل الإفريقي لمحاربة التنظيمات الإرهابية المنتشرة هناك.
لكن بقي التذكير بأنَّ فرنسا لا تزال تراهن على دعم الدول الأوروبية والولايات المتحدة للتحالف من أجل الساحل الذي دشَّنته القمة السّداسية، خصوصاً في ظل الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال الأيام السابقة على انعقاد القمة، والتي أفادت جميعها برغبة البنتاغون في تقليص عدد قواته المنتشرة في القارة الإفريقية. ولذلك أعلن «ماكرون» في المؤتمر الختامي للقمة عن أمله في إقناع الرئيس الأمريكي بالعدول عن أي قرار يتعلق بتقليص الوجود العسكري في دول الساحل الإفريقي. وتحقيقاً لهذا الهدف، جرى الإعلان عن زيارة تقوم بها وزيرة الدفاع الفرنسية لواشنطن قبيْل نهاية الشهر الجاري لبحث مستقبل الدعم الأمريكي للجهود الفرنسية في إقليم الساحل لدحر التنظيمات الإرهابية هناك.
ويبدو أنَّ الإليزيه يعوِّل كثيراً على هذه الزيارة؛ ذلك لأن الدعم الأمريكي يُنْظر إليه باعتباره ركيزة أساسية لمواصلة فرنسا جهودها في مجال مكافحة الإرهاب في دول الساحل، خاصة الدعمين العسكري واللوجستي الذين تقدِّمهما القاعدة الجوية الأمريكية في شمال النيجر، حيث يرابط سرب من الطائرات المسيَّرة القادرة على توفير غطاء جوي شبه دائم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"