أستراليا.. تحترق

02:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
ريم عبد المجيد *

تشهد أستراليا أسوأ موسم للحرائق على الإطلاق، بما جعل الطقس فيها الأكثر سخونة والأكثر جفافاً. كما أنها تسببت في خسائر غير مسبوقة؛ حيث أدت إلى مقتل 480 مليون حيوان وإحراق أكثر من 15.6 مليون فدان وتدمير أكثر من 1400 منزل منذ سبتمبر/أيلول 2019 إلى جانب تسببها في خسائر بمليارات الدولارات.
على الرغم من أن الحرائق عوملت في كثير من الأحيان كقصة محلية ذات صلة بالأستراليين فقط، فمن المحتمل أن تؤثر تداعياتها في ملايين الأشخاص في البلدان والقارات الأخرى؛ فقد أدت حرائق الغابات الأسترالية إلى سلسلة من الأحداث الجوية، التي قد تؤثر في أنظمة الطقس في جميع أنحاء العالم.
وفي هذا السياق، يعرض المقال بعض الآثار المناخية المحتملة لحرائق غابات أستراليا، والتي تنذر بضرورة تسريع وتكثيف الجهود الدولية؛ لمواجهة أزمة تغير المناخ.

1- غيوم النار:

يمكن للتدفئة الشديدة الناجمة عن حرائق الغابات، أن تولد عواصف رعدية عميقة مغمورة بالدخان، والمعروفة باسم pyrocumulonimbus (pyroCb) وتُعرف أيضاً باسم غيوم النار، والتي يمكن أن تطلق كمية كبيرة من جزيئات الدخان في الطبقة العليا من الستراتوسفير. وفي الأغلب تُرى هذه الغيوم المملوءة بالبرق بعد الانفجارات البركانية؛ لكن لوحظ تكونها عقب حرائق الغابات؛ حيث يؤدي الحريق إلى تبخر الماء، وتبخر الرطوبة من الغطاء النباتي، ثم تتراكم الرطوبة على جزيئات الدخان، وتتكثف بسرعة أثناء ارتفاعها إلى طبقات الغلاف الجوي مكونة هذه السحب. ويشار في هذا الصدد إلى أنه في عام 2018، وجد علماء المناخ أن هذه السحب يمكن أن تؤثر سلباً في الغلاف الجوي؛ حيث تصل إلى مستويات مماثلة للانفجارات البركانية؛ كونها تستمر في الجو لعدة أشهر؛ بعد اختفاء سحابة النار؛ حيث تؤثر في التوازن الإشعاعي والكيميائي في الستراتوسفير. وتؤدي غيوم النار إلى تكوين عواصف برقية، وتتسبب في حدوث رياح مدمرة.
وقد أشير إلى أن معدل السحب البيروكربونية الناجمة عن الحرائق في أستراليا غير مسبوق، ويكاد يكون أكبر اندلاع للبيروكومولونيمبوس على الأرض. ومن المرجح أن تقود هذه الغيوم إلى إحداث طقس أكثر خطورة مثل ما يُعرف ب«هجمات ember»؛ حيث تُنقل الأغصان المحترقة والمواد الأخرى جواً، وتسقط على مناطق محيطة بالغابات، مما يهدد حياة البشر والحيوانات المحاصرين في الحريق. ومن المرجح أن تؤدي الأحوال الجوية المرتبطة بهذه الغيوم إلى تأثيرات واسعة النطاق وبعيدة المدى، قد تظهر متأخرة.

2- زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون:

أنتجت حرائق أستراليا كمية هائلة من ثاني أكسيد الكربون والسخام والإيروسول والغازات الدفيئة التي لا تملأ فقط سماء جنوب أستراليا؛ لكن أيضاً أجزاء من نيوزيلندا وأمريكا الجنوبية. هذه الانبعاثات مسؤولة عن الضباب المتوهج الغريب الذي شوهد في الأيام الأخيرة عبر سماء نيوزيلندا.
ويقدر العلماء أن حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم انبعث منها نحو 8 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً على مدار العشرين عاماً الماضية، أي أنها مسؤولة عن نحو خمسة إلى عشرة في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً. هذه الغازات السامة لها علاقة معقدة مع درجات الحرارة العالمية؛ حيث يمكن أن يؤدي الإيروسول؛ (وهو عبارة عن العديد من الجزيئات العضوية المتطايرة ويُسمى الهباء الجوي) إلى تبريد مؤقت عن طريق جعل الغلاف الجوي أكثر انعكاساً، بما يمنع أشعة الشمس. في حين أن الانبعاثات الأخرى؛ مثل الكربون الأسود تؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي، بما يتسبب في زيادة معدلات الاحتباس الحراري في الجو ليس فقط في منطقة الحريق، ولكن في الدول المجاورة، فقد تسببت حرائق غابات كندا عام 2017 بمستويات مرتفعة من الاحتباس الحراري أعلى من تلك التي تم قياسها عام 1991 بعد ثوران بركان بيناتوبو. كما أن حرائق كاليفورنيا عام 2017 الأقل حجماً من حرائق أستراليا تسببت في انبعاث مقدار من ثاني أكسيد الكربون في أسبوع واحد يساوي ما تبعثه جميع السيارات في كاليفورنيا على مدار عام كامل، بما يؤكد أن حرائق أستراليا ستؤدي إلى انبعاثات غير مسبوقة.

3- تقلص عدد الغابات في العالم:

الحرائق لا تحرق فقط الأشجار والشجيرات وتصدر الدخان؛ لكنها تترك وراءها تغييرات طويلة الأمد على الأرض. على الرغم من تعويل البعض على نمو أشجار جديدة محل الأخرى المحروقة بما يساعد على التخلص من كميات كبيرة من الكربون بسرعة، فإن بعض الأبحاث أشارت إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري تمنع إعادة نمو الغابات بعد حرائق الغابات، وكمثال على ذلك ما حدث في سلسلة الغابات الأمامية في كولورادو، وغابات سييرا نيفادا. هذا يدفع للقول إن اتجاه تقلص عدد الغابات يأخذ في الانتشار بشكل واسع.

4- ذوبان القطب الشمالي:

يمكن أن تؤثر بقايا النباتات الصغيرة المحروقة أيضاً في المناخ؛ عندما تهبط على الأنهار الجليدية الجبلية، وخاصة على الجليد في القطب الشمالي. فعندما تتبع العلماء السخام الناجم من حرائق الغابات في كندا إلى جرينلاند، وجدوا أن تلوث حرائق الغابات كان عاملاً مهماً في ذوبان سطح الأرض القياسي لطبقة جرينلاند الجليدية في عام 2012. وعلى الرغم من صعوبة تقدير التأثير الكلي لسقوط حرائق غابات أستراليا على ذوبان القطب الشمالي، فإن مجموعة متزايدة من الأبحاث تشير إلى أن السخام سوف يسهم في تسريع الانهيار في القطب الشمالي في العقود المقبلة.
وفي الختام يمكن القول إنه على الرغم من عدم حداثة الكوارث المرتبطة بالمناخ من ارتفاع في درجات الحرارة إلى الأعاصير والفيضانات والعواصف الثلجية المتزايدة، فإن مشاهد التدمير المرعبة في أستراليا التي تحدث تأثيرات ليس فقط على المدى القريب، كما أوضحنا أعلاه، ولكن على المدى البعيد أيضاً؛ تؤكد ضرورة البحث عن سبل فاعلة؛ لتقليل المساهمات البشرية في تغير المناخ من ناحية، وكذلك تطوير آليات؛ للتصدي للكوارث الطبيعية التي قد تسهم فيه من ناحية أخرى؛ كون الخسائر الناجمة عنه تفوق خسائر الحروب.

* باحثة ماجستير بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وباحثة بالمركز العربي للبحوث والدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"