“ميشيل” كلمة السر في ثبات خطوات أوباما

وافقت على خوضه معركة الرئاسة الأمريكية بشروط
13:22 مساء
قراءة 5 دقائق

لم يكن المرشح الديمقراطي باراك أوباما وحده صانع الحدث في الأدوار التمهيدية للانتخابات الرئاسية الأمريكية فإلى جانبه زوجة، هي ليست رفيقة دربه بالمعنى العام للكلمة فحسب، وانما شريكته الفعلية في كل القرارات الحاسمة، بما فيها المتعلقة بحياته الشخصية والعامة وبمستقبله السياسي، وذلك رغم ما يعرف عنها من عدم اهتمام بالسياسة.

إنها ميشيل أوباما، المحامية التي زج بها حدث الانتخابات الى صميم المشهد السياسي، فقبلت التحدي لكن بضمانات أهمها عدم تفريط زوجها في مسؤولياته الأسرية، واطرفها ان يقلع هذا الزوج عن التدخين، هكذا دخلت هذه المرشحة لتصبح سيدة امريكاً الأولى، معركة الانتخابات بعيداً عن السياسة، فنجاح زوجها لا يمثل مناسبة لتحقيق طموحات سياسية، بقدر ما يعطي أملاً في غد افضل من خلال تغيير وجه أمريكا، ربما بجعلها اقل عداوة للشعوب، ويبدو ان هذه الثقة في النفس التي استشعرها الأمريكيون في هذين الزوجين، ادت الى تشبيههما بالثنائي كيندي في كثير من التفاصيل. بل ان الكثير من الناخبين يميلون الى اعتبار السيدة اوباما مصدر إلهام مرشحهم الديمقراطي وقوته، فكيف تتعايش جاكي السوداء مع هذا الواقع الجديد المملوء بالأضواء المسلطة من كل حدب وصوب؟ وما ملامح الصورة التي ترتسم في اذهان الأمريكيين عنها؟

في العام ،1988 عندما كلفت الآنسة ميشيل روبنسون من قبل رئيسها في العمل، بالإشراف على الموظف المتدرب الجديد ويدعى باراك أوباما لم يكن يخطر ببالها انها ستصادف الرجل الذي سيكون شريك حياتها والذي سيجعلها في يوم ما تنافس على لقب سيدة أمريكا الأولى. هذا اللقاء الأول احدث في نفس ميشيل انطباعاً لخصته بالقول: وجدته وسيما، غريباً، كله مرح وظرف لكنه جدي وغير مزعج. ولم يبق المحامي الشاب باراك مكتوف الأيدي تجاه ما احدثه فيه هذا اللقاء من انطباع، فقد ذكر في كتابه الجرأة على الأمل: إن اغلب الذين يقابلون زوجتي، سريعاً ما يلحظون تميزها وهم على حق في ذلك، فهي واسعة الذكاء وغريبة وانيقة، وهي ايضاً جميلة جداً. أما استتباعات هذا اللقاء فقد تكفل بها القدر. ففي العام 1992 تزوج باراك من ميشيل وانجبا بنتين، ماليا آن في العام 1999 وساشا العام 2002. وها هما يسيران جنباً الى جنب لصنع حدث قد يغير ملامح الحياة السياسية والاجتماعية في أمريكا.

ولدت ميشيل اوباما 17 يناير/كانون الثاني 1964 في عائلة متواضعة تعيش في حي ساوث سايد وهو أحد الاحياء ذات الأغلبية السوداء في شيكاغو. كان والدها يعمل في هيئة المياه وكانت والدتها موظفة في بنك، ولها اخ يدعى كريج يكبرها ب 16 شهراً. وعندما دخل كريج الى جامعة برينستون طالبت ميشيل بالحق نفسه، معللة طلبها بتفوقها عنه من حيث الذكاء، وبعد جامعة برينستون التحقت بكلية الحقوق بجامعة هارفارد الشهيرة، حيث وجدت صعوبات في الاحساس بالتأقلم باعتبارها طالبة سوداء، لكنها مع ذلك تخرجت وباشرت العمل في أحد مكاتب المحاماة، حيث التقت باراك، وشهدت سنة 1993 منعرجاً جديداً في حياتها، عندما قررت التخلي عن وظيفتها في هذا المكتب رغم حصولها على راتب كبير والانتقال الى مكتب عمدة شيكاغو الذي عرض عليها منذ المقابلة الأولى، رئاسة الديوان ورئاسة مستشفيات الجامعة مقابل 325 الف دولار سنوياً، هكذا أصبحت ميشيل اوباما محامية ذائعة الصيت وإحدى الوجوه النافذة في الحزب الديمقراطي بفضل ذكائها وكفاءتها وجديتها وقربها من عمدة شيكاغو ريتشارد ديلي ومن دون حاجة الى الخوض في تفاصيل العمل السياسي. هذه السمعة المتميزة مكنتها من خدمة زوجها بأن قدمته الى الأوساط السياسية في الحزب الديمقراطي من خلال شبكة من العلاقات التي أهلته بالتدرج نحو الكونجرس ومجلس الشيوخ في واشنطن. كما ساعدته على التوغل في مجتمع السود في شيكاغو بهدف تحقيق ضرب من التوازن النفسي والاجتماعي له ولابنتيه.

ولا شك ان المتعمق في تفاصيل هذه المسيرة من خلال محطاتها الرئيسية، يدرك أن العامل الأكثر تأثيراً وفعلاً، يتمثل في الشخصية المتميزة التي تتمتع بها ميشيل اوباما والتي تجمع بين خصال الرابط بينها هو النزوع غير العادي نحو التميز وبشكل قد يبدو حاداً بل وعنيفاً في بعض الأحيان، لهذا يعتبر المقربون من هذين الزوجين، أنهما وإن اشتركا في الكفاءة المهنية والطموح إلا أن باراك يعتبر أكثر هدوءاً إذا قورن بزوجته، ويؤكد هذا الحكم شقيقها كريج روبنسون بالقول: ان لباراك تأثيراً واضحاً في تهدئة الأجواء داخل العائلة، فأختي شديدة التدقيق في كل التفاصيل وشديدة الصراحة، إنها الربان الفعلي للسفينة، هذا التصريح يؤكد الصرامة التي تميز سلوك السيدة أوباما في علاقاتها المهنية والأسرية، الى حد يجعل منها الوجه الخفي للمرشح الرئاسي والمحرك الفعلي لحملته.

تقول صديقتها وزميلتها السابقة في جامعة هارفارد: إن ميشيل هي الضامن بأن كل ما يجب فعله ليتم على أكمل وجه، وهذا يعني أنها تقوم بدور حامية المبادئ والعين الساهرة على عدم تداخل قوائم الأولويات والمدافعة عن القواعد باعتبارها الأقدر على تطبيقها لهذا لا يستغرب الكثيرون انزعاجها من نسيان زوجها الزبدة خارج الثلاجة وهو أمر تعتبره خطأ تجدر الاشارة إليه حتى لا يتكرر، ويرجع المراقبون هذه الشدة الى نمط التربية الصارم الذي تلقته ميشيل في طفولتها في مجتمع متواضع الامكانات كبير الطموحات، لا مكان فيه للخطأ ولا عذر فيه للتراخي أو التسليم بالهزيمة أو الفشل.

في هذا السياق، يعترف شقيقها: أنا أيضاً على هذه الشاكلة. فقد علمنا أبوانا بأننا عندما نعمل بجد لا يوجد عذر يبرر عدم النجاح في بلوغ مبتغانا، وفي تعليق عن هذا السلوك تقول الصحافية ميليندا هينيبرجر في مقال بصحيفة رو 89: هذا اليوم عندما نشاهد عملياً السيدة أوباما تقدم خطاباً أفضل من زوجها ونراها أقدر منه على لفت انتباه الجمهور فإننا لا نتساءل عن سبب وجودهما جنباً الى جنب وانما نتساءل عمن كان يمكنه الزواج منها غيره؟

لكن يبدو أن ثقة المرشح الديمقراطي في نفسه وفي زوجته وإدراكه الدقيق لطبيعة وحدود دورها، جعله يتجاوز مختلف الاحكام والتعليقات المعلنة والمضمرة، فالأمر الثابت عنده هو أن قبولها بدور في هذه الحملة يعكس مدى محبتها له وثقتها فيه وقناعتها الراسخة في اشتراكهما في المبادئ نفسها والقناعات والأهداف، لهذا فهي تقوم بدور المراقب لسير عمله حفظا له من الزلات والضامن لعدم انجراره الى الغرور السياسي، ولعل هذه الثقة المتبادلة بين الزوجين والمتأتية من ثقة كل منهما في نفسه، هي التي تفسر مغالاة السيدة أوباما أحياناً في الصراحة عند القيام ببعض التصريحات خاصة تلك المتعلقة ببعض تفاصيل الحياة الخاصة التي لا ترى سراً فى اذاعتها، من ذلك تصريحها بأنه كثير الشخير أو أن رائحته في الصباح تكون كريهة وهي تصريحات يبدو أنها كانت مناسبة لإثبات أهمية تدخل السيد أوباما لتجنبها في المستقبل.

إن وجود مرشح أسود في السباق الرئاسي الامريكي يمثل حدثا بكل المقاييس، لذلك لا نستغرب تسليط الأضواء على كل تفاصيل هذا الحدث وخاصة الجوانب المتعلقة بحياته الشخصية وبأسرار نجاحه المهني والاجتماعي والسياسي، ولعل من ايجابيات لفت الانتباه الى ميشيل أوباما التأكيد على أن وصول المرشح الديمقراطي الى هذه المرحلة لم يكن وليد المصادفة، إنما ثمرة الذكاء الشخصي والتفوق المهني والعمل السياسي والزواج الناجح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"