عادي
مَواطن ضعف أساسية في المالية العامة

تقلبات أسعار الفائدة وأسواق السندات تضغط على موارد الاقتصاد العالمي

02:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
أدت أسعار الفائدة المنخفضة والتقلب المحدود في أسواق السندات خلال الشهور الستة الأخيرة إلى تراجع الضغوط على الموارد العامة في معظم البلدان . غير أن مواطن الضعف الأساسية في المالية العامة لا تزال قائمة، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه مخاطر جديدة .
وفي الاقتصادات المتقدمة، سيكون التباطؤ المتوخى في وتيرة تخفيض العجز الهيكلي خطوة مرحباً بها لدعم النشاط الاقتصادي .
قد أدت الجهود المبذولة في السنوات الخمس الأخيرة على صعيد المالية العامة إلى استقرار نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي ومع ذلك، فلا يزال من المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية العقد الحالي . ومن المهم مواصلة تخفيض الدين حتى يصل إلى مستويات آمنة وإعادة بناء هوامش وقائية . ونظراً للتعافي المتردد واستمرار مخاطر التضخم شديد الانخفاض وإنهاك الإصلاح، يتطلب الأمر سياسة للمالية العامة تحقق توازناً دقيقاً بين دعم النمو وتوليد فرص العمل من ناحية، والحفاظ على استمرارية المالية والعامة من ناحية أخرى .

نسب دين معتدلة

وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل، لا تزال نسب الدين ومستويات العجز معتدلة بوجه عام، وإن كانت أعلى في المتوسط من مستويات ما قبل الأزمة . وتدعو توقعات ضيق أوضاع التمويل واحتمالات انخفاض النمو الممكن، مصحوبة بتزايد الالتزامات الاحتمالية، إلى إعادة بناء حيز للحركة أمام السياسات بعد استنفاد الحيز المتاح في السنوات القليلة الماضية، وتعزيز أطر المالية العامة لإدارة المخاطر الناجمة عن الأنشطة الحكومية التي لا تغطيها الميزانية حالياً . ويمكن أن تستفيد البلدان التي تواجه ظروفاً تمويلية صعبة من اتخاذ إجراء مبكر في هذا الصدد على مستوى المالية العامة .

مخاطر محدودة

وفي البلدان النامية ذات الدخل المنخفض، تواجه المالية العامة مخاطر محدودة بوجه عام، وإن كانت نسب الدين قد ارتفعت إلى حد كبير في بضع حالات . ويؤدي تفشي فيروس إيبولا مؤخراً إلى ضغوط واضطرابات حادة في ميزانيات البلدان المتضررة . ولا يزال التحدي الذي يواجه البلدان النامية ذات الدخل المنخفض هو زيادة توفير الخدمات العامة الضرورية والاستثمارات الداعمة للنمو على نحو يتوافق مع تأمين مسار مالي قابل للاستمرار . ولتحقيق هذه الغاية، هناك أولويات أساسية للسياسة، من بينها تعبئة الإيرادات عن طريق إصلاحات السياسة الضريبية والإدارة الضريبية ودقة تحديد أولويات الإنفاق - وكذلك تعزيز حوكمة المالية العامة، وخاصة في العدد المتنامي من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض التي يتاح لها النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية .

خلق فرص العمل

يأتي خلق فرص العمل على رأس جدول أعمال السياسات العالمية . فمستويات البطالة المرتفعة والمزمنة تدعو إلى تحرك واسع النطاق على صعيد السياسات، يشمل إصلاح سوق العمل، إضافة إلى السياسات الاقتصادية الأخرى . ورغم أن سياسة المالية العامة لا يمكن أن تكون بديلاً للإصلاحات الشاملة، فإن بإمكانها المساهمة في خلق فرص العمل بعدد من الطرق .
أولاً، يؤثر تصميم عملية الضبط المالي في نتائج سوق العمل . ولم تستقر الأدبيات الاقتصادية على خلاصة للنقاش الدائر حول تأثر النمو والعمالة بالضبط المالي القائم على الإنفاق في مقابل تأثره بالضبط القائم على الإيرادات . وتخلص بعض الدراسات إلى أن مضاعفات الإنفاق قصير الأجل أكبر من مضاعفات الإيرادات، بينما تخلص دراسات أخرى إلى العكس . وفي هذا الصدد، يشير تحليلنا - الذي ينبغي النظر إليه على سبيل الاقتراح وليس القطع - إلى أن الضبط القائم على الضرائب في الاقتصادات المتقدمة يبدو مرتبطاً بتأثير سلبي أكبر في الوظائف في الظروف العادية . غير أن الموقف يختلف إذا كانت نقطة بدء التصحيح هي حالة من الركود المطول، حيث تبين أن تصحيح الإنفاق في هذه الحالة يترك أثراً سلبياً أكبر في العمالة في الأجل القصير . وفي الاقتصادات الصاعدة والنامية، غالباً ما تؤدي عمليات التصحيح القائمة على الإنفاق إلى أثر سلبي أكبر في الوظائف، ربما بسبب ما يتولد عنها من تخفيضات في مستويات الاستثمار العام والخدمات العامة المنخفضة في الأصل . وفي نهاية المطاف، ربما يكون العامل الأكثر تأثيراً في هذا الخصوص هو طبيعة ما يتم تنفيذه من تدابير للإيرادات أو النفقات .

تكاليف كبيرة

ثانياً، في ظل ظروف معينة، يمكن لموقف المالية العامة أن يكسب بعض الوقت حتى تتم إصلاحات سوق العمل . ويمكن أن تتحمل المالية العامة تكاليف كبيرة نتيجة إصلاحات سوق العمل، وهو ما يحدث غالباً، سواء بشكل مباشر كما في حالة تخفيضات ضرائب العمل، أو بشكل غير مباشر من خلال اعتماد تدابير قصيرة الأجل لتخفيف آثار إعادة التوزيع غير المرغوبة الناجمة عن بعض الإصلاحات . ويمكن استيعاب ذلك من خلال زيادة العجز أو إبطاء وتيرة الضبط المالي، وهو ما يؤدي إلى تعويض الأثر المعاكس قصير الأجل للإصلاح على الناتج أو العمالة . ويمكن أن يتيح ذلك حيزاً مواتياً لزيادة الاستثمار العام وتعزيز إمكانات نمو الاقتصاد على المدى الطويل، إذا كان ذلك ملائماً (على النحو الذي يناقشه تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في الفصل الثالث من عدد أكتوبر 2014) . ويمكن النظر في اعتماد موقف مالي أكثر تيسيراً لدعم الإصلاحات إذا لم يكن من شأن هذا الموقف خلق مخاطر تهدد استمرارية المالية العامة، وإذا كانت تكاليف الإصلاحات ومزاياها محددة بوضوح ومحدودة في الحجم والمدة، وإذا كانت هناك درجة كافية من اليقين بشأن تنفيذ الإصلاحات حتى النهاية .

تخفيض الضرائب

ثالثاً، يمكن أن يكون لتخفيض ضرائب العمل تأثير إيجابي كبير في العمالة في الاقتصادات المتقدمة، لكن ذلك غالباً ما يتحقق بتكلفة كبيرة على المالية ويمكن تخفيض التكلفة من خلال تخفيضات ضريبية موجهة لمجموعة محددة، مثل العمالة غير الماهرة أو الشباب، حيث تكون مشكلة البطالة أكثر حدة . وقد ثبت أن هذه التدابير الموجهة بالغة الفعالية نظراً لأن توظيف هذه المجموعات يتسم بحساسية نسبية تجاه التخفيضات الضريبية . غير أن نجاح هذه التدابير يعتمد بشكل حاسم على الحد من التشوهات الجديدة، وكذلك على النطاق المتاح لاستيعاب آثار تبديل العمالة . وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يمكن المساعدة على مواجهة تحديات العمل في السوق غير الرسمية وانخفاض نمو إنتاجية العمالة عن طريق إزالة الحواجز الضريبية وتوفير الخدمات العامة الأساسية وزيادة فرص الحصول على التمويل والتدريب .

إصلاح نظام التقاعد

وأخيراً، قد يفضل بعض البلدان معالجة تراجع مشاركة القوة العاملة من كبار السن باتخاذ تدابير موجهة لإصلاح نظام التقاعد . وتوضح الأدلة أن رفع سن التقاعد القانوني لا يؤدي وحده بالضرورة إلى زيادة مشاركة كبار السن في القوة العاملة . ومن الإصلاحات التكميلية الممكنة في هذا الصدد تشديد قواعد التقاعد المبكر، وترشيد المزايا المقدمة، واعتماد حوافز مالية أخرى، إلى جانب السياسات التي تعزز الطلب على العمالة بالنسبة إلى من يقررون تأجيل التقاعد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"