الأبناء: عصرنا مختلف الآباء: تنقصكم المسؤولية بين جيلين

بين جيلين
03:57 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق : فدوى إبراهيم

هناك من ينعت الشباب، مع استثناءات، بعدم القادر على تحمل المسؤولية مثلما فعل من سبقوهم، ويحاول الجيل الجديد ردم هذه الفجوة بالقول إن التطور السريع غير المفاهيم والأدوات، فباتت الأفكار والنظرة إلى الأمور مختلفة، لكن يظل المفهوم واحداً، القدرة على تحمل المسؤولية والاتكال على الذات، هو سلوك يمكن أن ينشأ ويقوّم بأدوات وسبل عدة مجتمعية وأسرية.
بين الاتهام الموجه للشباب من الجيل الأكبر، ومحاولات الدفاع عن النفس يمضي الحوار التالي بين الطرفين تقول الأم فاطمة الزرعوني إن الحكم على جيل الشباب بأنهم ضعيفو تحمل المسؤولية والاتكال على الذات صحيح بنسبة 80%، لذلك لا يمكن تعميم النظرة، وكوني عملت معلمة لسنوات طويلة ومرت علي أجيال من الذكور والإناث منذ مقتبل التسعينات، أؤكد أن جيلاً عن آخر يختلف في هذا المعيار، ويؤسفني القول إن آخر جيل درسته يمكنني أن أسميه جيل اللامبالاة والاعتماد على الغير، وهو جيل لا يريد أن يرهق نفسه بشي، رغم كونه جيلاً ذكياً جداً إلا أنه يعاب عليه اتكاله. وتضيف الزرعوني: أظن من بين أهم أسباب تكوين جيل من المراهقين والشباب الاتكاليين هو انشغال الوالدين بالعمل والاعتماد على المربيات والعاملات المنزليات، اللاتي لا يرفضن طلباً لمن يعملون تحت سقف بيتهم، كما أن انشغال الجيل بالتكنولوجيا جعلهم أبطأ حركةً، وقلة اجتماع الأهل مع أبنائهم وعدم تكليفهم بمهام زاد المشكلة. وتنوه الزرعوني إلى أن سن قانون الخدمة الوطنية والابتعاث للدراسة لهما دور كبير في تغيير سلوكيات الشباب، مشيرة إلى أن إحدى قريباتها فتاة ابتعثت للدراسة خارجاً فعادت فتاة قوية معتمدة على الذات.
ويشير الأب أيمن الكاظم، إلى أن اختلاف العصر له دوره في جعل الكثير من الشباب ينعتون بضعف تحمل المسؤولية، فالأهل يحبون دائماً لأبنائهم الأفضل ويسهلون عليهم سبل العيش لأنهم عاشوا ظروفاً قاسية، ومن يقطن على أرض الإمارات يعيش في الغالب بحالة اقتصادية جيدة تتيح له أن يوفر لأبنائه ما يرغبون، ويضيف :حين كنا أطفالاً كنا نضطر لمساعدة آبائنا في العمل بعد انتهاء الدوام المدرسي ونجبر على الحصول على علامات مدرسية عالية لأن العقاب سيكون وخيماً، وألعابنا كانت بسيطة جداً، ومن لا يساعد أبويه في أمور البيت أو الحياة عامة يعاب في مجتمعه، وهو ما خلق فينا المسؤولية منذ الصغر، أما اليوم فنحن نوفر لأبنائنا كل ما يرغبون في سبيل تفوقهم الدراسي ولا نفلح، ولا نستطيع حتى خلق شباب مسؤول.
كليثم البيرق «متقاعدة» تنوه إلى أن هذه النظرة حقيقية، لأن جيل الشباب لم يتدرب على تحمل المسؤولية، ولم يلقوا صعوبات في حياتهم، بينما نحن جيل حفرنا كي نتعلم ونصل لما وصلنا إليه، والمصاعب التي مررنا بها جعلتنا نوفر لأبنائنا ما لم يوفر لنا، فخلقنا ما ننتقده اليوم، إلا أن هنالك الكثير من الإيجابيات التي لا بد من الإضاءة عليها منها :هو جيل يمتلك من المعرفة والمعلومات الكثير جداً، وقادر على تيسير أموره بالشكل الذي يلائم تفكيره وعصره، فشلهم في العلاقات الاجتماعية والفتيات في المطبخ والشباب في أمور خارج المنزل لا يعني أنهم جيل اتكالي إنما هم في زمن مختلف، ويأتي اليوم الذي تقوم فيه الروبوتات بفعل كل شيء فما عسانا أن نسمي شبابنا في ذلك الوقت.
وتشير البيرق إلى أن الآباء قادرون على تغيير سلوكيات أبنائهم بمنحهم المسؤوليات أو جعلهم يستقلون في حياتهم ليقوّموا من سلوكهم، ولا يتدخلوا إلا في الضرورة القصوى.
أما الأم سلامة الطريفي، فتتفق مع سابقتها في الرأي ،بأن توافر كل شيء لهم جعلهم غير قادرين على تحمل المسؤوليات الكبيرة، في وقت نجدهم ظاهرياً مستقلين بذواتهم لديهم كل شيء وقادرين على عيش حياتهم بطريقة جيدة، لكنهم غير قادرين على تحمل مسؤولية أي شيء خارج مسؤولياتهم لأنفسهم، أو القدرة على حل مشكلات معينة، فقدوا المهارات لأنهم وجدوا كل متطلباتهم تلبى بسهولة.
ويجزم الأب إبراهيم صالح أن تربية الأهل هي التي تحدد قدرة أو عدم قدرة الأبناء على تحمل المسؤولية، فهي شراكة بين الأبوين والأبناء، يعتادونها منذ الطفولة، حين يربى الطفل على تحمل أبسط أمور حياته من تنظيم ملابسه وفراشه ودراسته دون مدرس خصوصي ودون اللحاق به من قبل أبويه لتلقينه درساً ما، هنا يبدأ بناء الشخصية.
ويضيف :ربيت أبنائي منذ الصغر على أن كل شخص منهم مسؤول ليس عن نفسه فقط بل عن كل ما يحيط به، مسؤول عن دراسته و غسل ملابسه، وأن يساعدني في إصلاح الأجهزة المتعطلة في المنزل، وغسل المركبة، وتنظيف المنزل، وحين كبروا استطاع كل منهم أن يعيش حياته بشكل طبيعي.
ومن جانب آخر يشكك عدد من الشباب في صحة تلك النظرة عنهم، لكنهم لا ينكرون أن هنالك الكثير من الشباب الذين ألهتهم التكنولوجيا، كالهواتف والألعاب الإلكترونية والاستمتاع مع أصدقائهم في المطاعم والرحلات الترفيهية عن دراستهم وحياتهم وأهلهم، حتى باتوا اليوم يشكلون وصمة سلبية على الشباب ككل، ومن بين المشككين بفكرة أن هذا الجيل غير مسؤول، الشاب حمدان كرمستجي، فمن مجمل حياته الشخصية ممكن أن يجزم بأنه شخص يتحمل المسؤولية ويوكله والده وبشكل كبير، فيقول : ليس لأنني أفضل من أحد لكنني أثبتت أنني أهل للمسؤولية، قادر على إنجاز كل ما يطلب مني وفق الظروف المناسبة، والأمر ليس وليد اليوم بل يمكن القول إنه بزغ منذ كنت في عمر المراهقة، ورغم عدم مرور سنوات طويلة فأنا اليوم بعمر 21 عاماً إلا أنني كلما أكبر في العمر كلما بت أقدر على تحمل المسؤولية
، ورغم ذلك لا ينكر كرمستجي أن هنالك شباباً ليسوا على قدر من المسؤولية، وهو ليس ذنبهم أو آبائهم بل المجتمع ككل ، لأنهم يتعلمون في المدرسة بالتلقين ولا يتعبون للحصول على المعلومة، ويحصلون على ما يريدون في منازلهم دونما تعب.
وتقول الشابة شيماء حازم: تحمل المسؤولية هي أمر نسبي يعتمد على العصر الذي نعيشه، فمثلاً سابقاً كانت الفتاة لا تتزوج إن لم تكن تتقن الطهي وتحمل مسؤوليات المنزل، في حين أن اليوم الطهي لم يعد بمعضلة وليس معياراً للزواج، المحلات تضج بالأطعمة المجمدة والحلول السريعة للطهي سواء بالمنتجات أو الأجهزة، وحين ترى أم فتاتها لا تتقن الطهي تنعتها بعديمة المسؤولية وهو أمر غير صحيح، لكنها تحاكمها وفق عصرها وتفكيرها. وتضيف :»نعيش عصرا مختلفاً، الحياة أسهل من ذي قبل، هنالك الكثير من الخدمات للغسل والكوي والتسوق الإلكتروني تقدمها جهات كثيرة، يعتمدها الشباب لتسهيل حياتهم، وهي قد لا تعتبر مقنعة للأهل الذين اعتادوا عمل كل شيء بأنفسهم، قد يكون سبباً في وجهة نظرهم عنا».
ويحمل الشاب عبد الكريم عبد الرحمن سبب أن الحكم المطلق الذي يعتبر من خلاله الآباء جيل الشباب بأنه ضعيف وغير قادر على تحمل المسؤولية الأمر سببين، الأول هو ما يعيشه هذا الجيل ، من سهولة للحياة وتوفر كل شي فأنتج هذا الرغد في العيش رخاء ذهنيا وفكريا نتج عنه أن يكون الإنسان ضعيفا لا يُعتمد عليه ويكون صاحب مسؤولية. والآخر وهو مسؤولية الآباء في عدم تعويد الأبناء على المسؤولية، ثم يعودون ويلومون ولو أنهم دربوا أبناءهم لما وصل حالهم إلى أن يطلق عليهم هذا الحكم.
ويخالف الشاب محمد سامي رأي سابقه، ويقول :أهلي يعتبروني أهلاً لتحمل المسؤولية بل يحملونني إياها ويستشيروني في كثير من الأمور باعتباري شخصاً مسؤولاً، ولا أنكر أن هنالك من الشباب الذين لا يعتمد عليهم من قبل ذويهم بسبب ملاحظتهم لهم من خلال سلوكياتهم اليومية وتعاملاتهم، وتضييعهم الوقت في الألعاب الإلكترونية والهواتف متناسين أن الدراسة هي الأساس، فهكذا شباب لا يدركون أهمية مستقبلهم العلمي بإنجازهم الدراسي اليوم غير أهل للاعتماد عليهم لأنهم لا يدركون مصلحتهم الشخصية، فكيف بهم ليكونوا أصحاب مسؤولية ومستقلين بذاتهم؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"