روسيا واليابان.. السلام الصعب

05:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. نورهان الشيخ

في السابع من يناير، وخلال زيارته لقبر أبيه في مدينة ناجاتو، أقسم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بحسم المفاوضات مع روسيا حول جزر الكوريل الجنوبية. سبق ذلك بيومين إعلانه أن السنة الجديدة ستكون حاسمة في المفاوضات الجارية بين طوكيو وموسكو، حول معاهدة السلام بين البلدين.
اعتبر شينزو آبي، أن اليابان وروسيا، وصلتا إلى نقطة مفصلية في عملية تبنّي معاهدة السلام ومصادقة البلدين النهائية عليها، فبالرغم من مرور ما يزيد على سبعة عقود على انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإن حالة الحرب ما زالت قائمة، نظرياً، بين روسيا واليابان، نظراً لعدم توقيع معاهدة سلام بينهما نتيجة الخلاف حول جزر الكوريل الجنوبية الأربع: كوناشير وشيكوتان وإيتوروب وهابوماي.
تدعي اليابان، أحقيتها على الجزر الأربع، وتطلق عليها «الأراضي الشمالية»، ويتم الاحتفال سنوياً ب«عيد الأراضي الشمالية» في ذكرى التوقيع على معاهدة «شيمودا» بين روسيا القيصرية واليابان عام 1855 التي حددت الحدود بين البلدين على النحو الذي يجعل الجزر الأربع ضمن الأراضي اليابانية، وتدفع طوكيو، بملكيتها للجزر استناداً إلى هذه المعاهدة، وجعلت من مسألة استعادتها شرطاً لعقد معاهدة سلام مع روسيا.
موسكو، ما زالت تتمسك بمعاهدة سان فرنسيسكو للسلام، التي تم توقيعها في 8 سبتمبر 1951؛ حيث أكدت المادة الثانية منها، تخلي اليابان عن جميع الحقوق والأسس القانونية والادعاءات فيما يخص الجزء الجنوبي من جزيرة سخالين وجزر الكوريل؛ حيث كان الاتحاد السوفييتي، قد سيطر على جنوب سخالين وجزر الكوريل عام 1945، وضمها رسمياً له عام 1946. وعقب عشر سنوات وقع الاتحاد السوفييتي واليابان، إعلاناً مشتركاً، أعطت موسكو بموجبه موافقتها على بحث إمكانية تسليم اليابان جزيرتين في حال عقد اتفاقية سلام، إلا أن اليابان، عدت ذلك مجرد حل جزئي، وطالبت بجميع الجزر، ولم تصل المفاوضات اللاحقة إلى أي نتيجة، ولم توقع معاهدة السلام، وظل الخلاف قائماً بين البلدين. هذا فضلاً عن أن جميع المقيمين في هذه الجزر، من المواطنين الروس، وهو ما اعترف به رئيس الوزراء الياباني في الأول من يناير، مؤكداً أنه «يجب أن يوافق سكان الجزر على انتقال تبعية المنطقة من روسيا إلى اليابان»، مشيراً إلى أن «جميع المقيمين في هذه الجزر، من المواطنين الروس، وأن السكان اليابانيين السابقين، وقعوا في ظروف لم تعد تسمح لهم بمواصلة العيش هناك».
بالرغم من نجاح البلدين في تجاوز عقدة جزر الكوريل جزئياً، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الياباني في كلمته أمام منتدى بطرسبرج الاقتصادي الدولي في مايو/أيار الماضي، مؤكداً سعي البلدين لأن تكون الجزر رمزاً للتعاون، بدلاً من أن تكون رمزاً للخلاف بينهما، وأن قمته مع الرئيس بوتين ( عقدت الثلاثاء الماضي)، تسعى لبلورة إمكانية التوصل إلى تسوية ما لها، بل وأشار إلى استحداث اليابان وزارة خاصة للتعاون الاقتصادي مع روسيا، وأنها دشنت 130 مشروعاً مشتركاً في مجالات عدة، لاسيما الطاقة، من أبرزها مشروع «يامال» الذي يتضمن نقل الغاز الروسي إلى اليابان، ومشروع إنشاء جسر الطاقة «ساخالين- هوكايدو»، إلى جانب مشاركة الشركات اليابانية في مشاريع نفط وغاز في روسيا، وإنشاء شركات مشتركة لصناعة معدات توليد الطاقة.
كما كانت زيارة الرئيس بوتين إلى اليابان، في ديسمبر/كانون الأول 2016، الأولى للرئيس الروسي منذ 11 عاماً، واتفقت موسكو وطوكيو، خلالها على خطة مشتركة بين البلدين لتطوير جزر الكوريل، والاستثمار الاقتصادي الروسي-الياباني المشترك للمنطقة. ومثلت محادثات (2+2) بين وزيري دفاع وخارجية البلدين في طوكيو في 20 مارس/آذار2017 نقلة نوعية أخرى في العلاقات بينهما. وذلك بعد أن كان قد تم تعليق التعاون بين وزارتي الدفاع، وإلغاء زيارة رئيس هيئة الأركان العامة الروسية بطلب من اليابان في عام 2014.
وبالرغم من اتفاق الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الياباني، خلال لقائهما في سنغافورة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على تنشيط المحادثات الروسية-اليابانية بشأن إبرام معاهدة سلام بين البلدين، إلا أن استمرار تمسك البلدين بمواقفهما لا يشير إلى إمكانية تحقيق تقدم في هذا الصدد.
فقد أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 14 يناير/كانون الثاني، بعد إجراء الجولة الأولى من المشاورات بين البلدين الخاصة بقضية معاهدة السلام، تأكيده للطرف الياباني، أن مسألة سيادة روسيا على جزر الكوريل غير قابلة للنقاش، مشدداً على ضرورة اعتراف اليابان بنتائج الحرب العالمية الثانية. سبق ذلك استدعاء وزارة الخارجية الروسية السفير الياباني لدى موسكو في 11 يناير/كانون الثاني، لتسليمه احتجاجاً رسمياً على تصريحات رئيس الوزراء الياباني لقناة «أساخي»، والتي أعلن فيها أن جزر الكوريل الجنوبية تتبع لبلاده.
على صعيد آخر، كثفت روسيا من وجودها العسكري في منطقة الجزر على النحو الذي يجعل من تنازل روسيا عنها أمراً غير ممكن. فقد أشارت الصحيفة الرسمية لأسطول المحيط الهادئ الروسي، «بويفايا فاختا»، يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إلى نشر أنظمة «بال» الصاروخية في جزيرة كوناشير وأنظمة «باستيون» في جزيرة إيتوروب، إضافة إلى نشر فرقة مدفعية ساحلية في جزر الكوريل تستلم بشكل دوري معدات عسكرية وأسلحة حديثة، بما في ذلك طائرات من دون طيار، وذلك رداً على زيادة الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية؛ حيث أرسلت واشنطن حاملات طائرات تابعة لها إلى المنطقة، وتقوم بنشر عناصر للدرع الصاروخية هناك.
وفي أكتوبر 2017 أعلن النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي، فرانتس كلينتسيفتش، أن روسيا اتخذت قراراً مبدئياً بإقامة قاعدة لأسطولها البحري في جزر الكوريل.
وفي ديسمبر 2017 استبدلت القوات الجوية الفضائية الروسية بطاريات «إس 300» المنشورة في أراضي روسيا الشرقية على الحدود مع شبه الجزيرة الكورية ببطاريات «إس-400».
وكان الرئيس بوتين، قد أعرب خلال اجتماع مع رؤساء تحرير أبرز وكالات الأنباء العالمية في سان بطرسبورج، في 1 يونيو/حزيران 2017، عن خشيته من احتمال أن تقيم الولايات المتحدة، قواعد عسكرية لها في جنوبي جزر الكوريل في حال تسليمها لليابان، مؤكداً أن ذلك يعد أمراً مرفوضاً تماماً. وقد حاول رئيس الوزراء الياباني، تهدئة المخاوف الروسية، وأكد في نوفمبر الماضي، أن القواعد العسكرية الأمريكية، لن يتم نشرها في الجزء الجنوبي من جزر الكوريل في حال تسليمها لبلاده.
إن الطريق لمعاهدة السلام بين روسيا واليابان، مازال صعباً ولن يستطيع لقاء القمة الروسي- الياباني، تقليل الهوة في المواقف بين البلدين باعتبارها قضية سيادة وأمن قومي لكليهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"