أولجا توكارتشوك..أديبة نوبل مهددة بالقتل

02:37 صباحا
قراءة 6 دقائق

«هذا الصوت القادم من بولندا، يحمل معه قيم اليسار، وجرأة النبش في التاريخ ومواجهته، وفي روايتها الصعبة «كتب يعقوب» محاولة لنبش التاريخ البولندي، وتغيير مساره، نحو مفهوم التسامح والانفتاح على الآخر»، هكذا وصف النقاد الكاتبة البولندية «أولجا توكارتشوك» الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب عام 2018، وربما لأنها مجهولة تماماً في العالم العربي، لم يهتم أحد بترجمتها إلا عند فوزها بجائزة مان بوكر العام الماضي، تثير أعمال أولجا الكثير من الجدل الذي وصل إلى التهديد بالقتل من قبل قوى يمينية متطرفة، الأمر الذي دفع ناشرها لتوفير حماية شخصية لها إلى أن فاجأت «نوبل للآداب» الجميع هذا العام، لكن ضجيجاً صاحب شريكها في لحظات التتويج «بيتر هاندكه» كان يسحب من رصيد الأضواء حولها، ولم يمنعها ذلك من إصدار بيان، يتناول الظروف التي عرفت فيها بنبأ فوزها.
يقول البيان: «وصلني خبر حصولي على جائزة نوبل في أغرب الظروف، فقد كنت في الطريق بين منطقتين في مكان لا اسم له، لا أستطيع التفكير في استعارة أنسب لتعريف العالم الذي نعيش فيه اليوم، نحن الكتّاب في هذه الأيام علينا أن نواجه تحديات غير محتملة، فالأدب فن بطيء الحركة، حيث إن عملية الكتابة تستغرق وقتاً طويلاً، ما يجعل من الصعب مواكبة عالم متحرك».
وقالت: «أؤمن بأدب قادر على توحيد الناس، يثبت لنا كم نحن متشابهون، ويجعلنا واعين بأننا تربطنا نفس الخيوط الخفية، أدب يحكي قصة العالم بوصفه وحدة حية، دائمة التطور أمام أعيننا، نشكل نحن فيها جزءاً صغيراً». تدور أحداث روايتها «رحالة» حول مواضيع مختلفة تتناول السفر، وتركز على تفاصيل تشريح جسم الإنسان، فتطير الكاتبة إلى القرن السابع عشر، وتسلط الضوء على قصة عالِم تشريح هولندي، شرّح ساقه المبتورة ورسمها، كما تستعرض حكايات عن السفر عبر الزمن، وتربط ذلك بشكل فني بجسم الإنسان، وتستنتج من خلاله طرق الحياة والموت.
العنوان الأصلي لروايتها «رحالة» هو «بيغوني» وتعني البدو في اللغة العربية، ويطلق هذا الاسم على مجموعة سلافية صغيرة عاشت من قبل، وتروج شكوك حول وجودها، إذ رفضت هذه المجموعة الاستقرار، وأصرت على طريقة حياتها التقليدية، التي لا تعرف الاستقرار، وتظهر هذه المجموعة في النصف الثاني من الرواية، عندما تلتقي امرأة تواجه وضعاً مأساوياً في إحدى المدن الروسية، بامرأة أخرى غريبة المظهر.
تقول المرأة التي تنتمي لمجموعة «بيغوني» السلافية للمرأة الأخرى: «بإمكانك وضع نهاية للمعاناة التي تعيشينها» وتواصل: «عندما نتوقف عن الترحال نصبح أصناماً، من يتوقف يصبح مثل حشرة، يخترق قلبها مسمار، يثقب أقدامها ويديها، ويتم ربطها بالسقف وبعتبة البيت، لذلك يضمر الطغاة وعبدة الجحيم كرهاً عميقاً للبدو الرحل، هذا هو سبب اضطهادهم للغجر، إنهم يرغموننا على الإقامة، واتخاذ مكان ثابت لنا، كي نقضي فيه أحكام سجننا».
فازت الكاتبة عن تلك الرواية بجائزة مان بوكر العام الماضي، وهي أول بولندية تفوز بها، وفي حوار مع التايمز قالت إنها بدأت في كتابة «رحالة» منذ أكثر من عقد، قبل فترة طويلة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وظهور الحركات القومية في أوروبا: «كتبت هذا الكتاب عندما كان العالم يتطلع لأن يكون مفتوحاً للجميع، الآن نرى كيف سيضعف الاتحاد الأوروبي، بسبب سياسات بلدان مثل بولندا والمجر، تركز على حدودها مرة أخرى»، وأشارت «أولجا» إلى سياسات الهجرة وقالت: «منذ اثني عشر عاماً لم يكن هناك ذكر لفكرة الجدران أو الحدود، التي تم تبنّيها في الأساس من قبل الأنظمة الشمولية، في ذلك الوقت يجب أن أعترف بأنني كنت متأكدة من أننا قد وضعنا الشمولية خلفنا».

عمل مربك

«رحالة رواية كوكبية» على حد تعبير أولجا، وقد لا تنتمي إلى جنس الرواية من الأساس، وربما تكون رواية سياسية أو لغوية، على غرار روايتها «كتب يعقوب» التي تعمل على ترجمتها الكاتبة البريطانية «جينيفر كروفت» التي تقول: «باعتباري واحدة من مترجمي أعمال أولجا في الخمسة عشر عاماً المنصرمة، أدركت مدى إقبال دور النشر في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية على أعمالها، في الفترة الأخيرة، قبلها كنت أذهب إلى إحدى دور النشر في نيويورك، فيقول لي الناشر إن أولجا لن تروق للقراء الأمريكيين، حتى وإن نالت بعض الشهرة في أوروبا، وكانت محاولة الحصول على منحة لترجمة إحدى رواياتها أصعب من ترجمة الرواية ذاتها».
«أولجا توكارتشوك» كاتبة وناشطة بولندية، ولدت في 29 يناير 1962م، وهي من أنجح كتّاب جيلها، ويشمل الإنتاج الأدبي لها حوالي 12 رواية ومجموعة قصصية وديوان شعر، وجاء في حيثيات منحها جائزة نوبل أنها قدمت «خيالاً سردياً يرمز من خلال شغف موسوعي إلى تجاوز الحدود كشكل من أشكال الحياة»، حيث تذهب بالقارئ خلال سعيها إلى الحقيقة، إلى عوالم متعددة الألوان، تمزج بين الواقع والخيال، ولا تتردد في انتقاد سياسات بولندا اليمينية.
كانت والدتها معلمة، أما والدها فعمل أمين مكتبة بإحدى المدارس، وهو الذي دفعها إلى حب القراءة، وطور ذائقتها الأدبية، ونالت شهادة في علم النفس من جامعة وارسو، ثم حصلت على وظيفة في مستشفى، كمتخصصة في معالجة الإدمان، وتزوجت من زميل لها وأنجبت ولداً، وبعد خمس سنوات قررت ترك العمل، نتيجة للضغط النفسي الواقع عليها، فبحسب ما قالته في حوار لجريدة الجارديان: «كنت أعمل مع أحد مرضاي، وأدركت أنني أكثر تخبطاً مما كان هو عليه، أنا حقاً هشة جداًً على عكس ما تصورته».

الاكتشاف الأول

سئلت أولجا: لماذا قررت دراسة الطب النفسي بدلا من الأدب؟ فقالت: كانت أمي معلمة أدب بولندي، وخططت لدراسة الأدب مثلها، لكن نشب خلاف بيننا في مراهقتي، كنوع من التمرد على السلطة الأبوية، بعده قررت عدم دراسة الأدب، واتجهت إلى الطب النفسي، لكن يجب أن تضع في اعتبارك أن تلك الفترة كانت في ثمانينات القرن العشرين، حيث كانت المحال التجارية خاوية في بولندا، وساد شعور عام بالإحباط في البلاد، كنت قد قرأت فرويد في المرحلة الثانوية، ما دفعني لاختيار الطب النفسي، وبعد أن تخرجت وبدأت في معالجة المرضى، توصلت إلى أول اكتشاف خاص بي، إننا يمكن أن ندرك الحقيقة من زوايا مختلفة، لقد حدث هذا بعد أن عالجت عائلة كاملة، وكان كل فرد من العائلة يحكي الوقائع من وجهة نظره، بطريقة مختلفة عن الآخرين، على الرغم من أنهم أفراد في نفس العائلة، توقفت حينها وقلت لنفسي يجب أن أتّجه إلى الكتابة، لأنها تطرح رؤية خاصة لما يعتبره الجميع واضحاً، وعلينا نحن الكتاب أن نبحث عن طرق خاصة لتغيير مفاهيم الناس، والكشف عن شيء جديد فيما يدركونه.
بعد نجاح أول كتبها، تفرغت «أولجا» للأدب، تقول إحدى الناقدات: «أولجا زاهدة، إنها في بحث دائم عن الحقيقة، الحقيقة التي يمكن إدراكها فقط من خلال الحركة، ومن خلال تجاوز الحدود، كل الأشكال والمؤسسات واللغات الجامدة هي مرادف للموت».
مع ترشح روايتها السادسة «رحالة» لجائزة البوكر العالمية وصفتها الجارديان بأنها «أبرز الكتّاب في بولندا، فهي كاتبة نسوية في بلد رجعي ذكوري» وأغلب رواياتها تتمتع بصفحات كثيرة، تقترب غالباً من الألف صفحة، وكانت روايتها «كتب يعقوب» تتكون من ألف صفحة، مثيرة جدلاً كبيراً عند صدورها، فبعد أن فازت عنها بجائزة أدبية في بولندا، تلقت تهديدات بالقتل لأنها «أساءت إلى سمعة بولندا والبولنديين الجيدة».
تدور أحداث الرواية على الحدود بين أوكرانيا وبولندا، وتحكي قصة «يعقوب» الذي ولد يهودياً، ثم قاد عملية التحول القسري لزملائه اليهود إلى الكاثوليكية في القرن الثامن عشر، وقد استقبلت الرواية جماهيرياً بشكل جيد، حيث باعت أكثر من 170 ألف نسخة، لكن في المقابل غضب اليمين منها بشكل كبير، ووصفها بالخائنة، خصوصاً أنها كانت تعلن باستمرار مواقفها المناهضة للحكومة، وترى أن الحكومات المتعاقبة ارتكبت أعمالاً إجرامية، عبر تاريخها، واستعمرت دولاً أخرى، ما جعل ناشرها يضطر إلى توفير حراسة شخصية لحمايتها، وصرحت فيما بعد: «كنت ساذجة، ظننت أننا بتنا قادرين على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخنا».


عمل يعادي بولندا


لم تكن رواية «كتب يعقوب» هي الوحيدة التي أثارت الجدل بين أعمال أولجا، لكن تكرر الأمر بعد عرض فيلم مأخوذ عن روايتها «قُد محراثك على عظام الموتى» في مهرجان برلين السينمائي، حيث هوجم الفيلم، ونددت به وكالة أنباء بولندية وصفته بأنه «عمل معادٍ للمسيحية ويشجع على الإرهاب» وفي أحد حواراتها قالت إن «الكتابة لمجرد معرفة من هو القاتل يهدر الورق والوقت، لذا قررت الكتابة عن حقوق الحيوان، وقصة المواطنين المعارضين، الذين يدركون أن القانون غير أخلاقي، ليدركوا إلى أي مدى يمكن أن يصلوا إذا طالبوا بتعديله».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"