ميثاق مراكش للهجرة ليس كافياً

02:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد شوقي عبد العال

ليس ثمة شك في أن ظاهرة الهجرة عبر الحدود الوطنية للدول، والتي تعاظمت وتيرتها في العقود الأخيرة ولا سيما في العقدين الأخيرين، نتيجة لأسباب عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها، قد تسببت في مشاكل وأضرار جسيمة لكل من المهاجرين ولدول المرور ودول الاستقبال على حد سواء. فبالنسبة للمهاجرين أنفسهم قد تنتهك حقوقهم كبشر من جانب سلطات دول المرور والاستقبال في كثير من الحالات، ويتم الاتجار بهم واستغلالهم في أعمال غير مشروعة من جانب عصابات الجريمة المنظمة، فضلاً عن المخاطر التي تحيط بهم في رحلة الهجرة.
بالنسبة لدول المرور والاستقبال فإن وجود هؤلاء المهاجرين يمثل عنصر خطر عليها من زاوية الضغط على المرافق والخدمات المتاحة أصلاً لمواطني هذه الدول، والتي قد تكون هي ذاتها محدودة، ومن جهة الموارد اللازمة للوفاء باحتياجاتهم الأساسية من طعام وشراب وسكن وغيرها والتي قد لا تكون متاحة لبعض هذه الدول، فضلاً عما قد يمثله وجودهم من مشكلات أمنية واجتماعية لسلطات وسكان هذه الدول، وهو ما دفع كثيرا من الدول المستهدفة إلى تشديد الرقابة على حدودها للحيلولة دون دخول المهاجرين إليها، لا سيما مع تنامي التيارات اليمينية الرافضة للهجرة في الكثير منها.
ولعل ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب على حدودها مع المكسيك شاهد على هذا.
ومن ثم فقد كان من البديهي أن تسعى الأمم المتحدة إلى صياغة توافق دولي عام حول مجموعة من القواعد القانونية المنظمة لظاهرة الهجرة بما يكفل الحماية والحفاظ على حقوق جميع الأطراف، من مهاجرين ودول مرور ودول استقبال، وتعظيم المكاسب للجميع.
وفي هذا السياق فقد تبنى ما يقارب مئة وخمسين دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يوم الاثنين الموافق للعاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري بمدينة مراكش المغربية «ميثاق الأمم المتحدة حول الهجرة»، والذي يأتي تتويجا لمسار طويل من المفاوضات التي انطلقت عام 2016 من خلال تبني الأمم المتحدة لإعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين. وهو الميثاق الذي اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرس بمثابة خريطة طريق من أجل تفادي المعاناة والفوضى، ومن أجل تعزيز تعاون يكون مثمراً للجميع.
وكان جوتيرس قد قال في كلمته الافتتاحية لمؤتمر مراكش: إن «الهجرة ستظل دائمًا موجودة.. ويجب تدبيرها على نحو أفضل»، مؤكدا على أن ميثاق الأمم المتحدة للهجرة هو نتيجة جهود كبيرة، منتقدا «الأكاذيب الكثيرة» التي أحاطت بنص الميثاق الذي يسعى إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل «هجرة آمنة منظمة ومنتظمة»، مضيفًا أن هذا الميثاق لا يقتصر على السعي إلى مساعدة المهاجرين والمهاجرات، بل أيضا بلدان المنشأ والاستقبال، وأنه يشدد على أهمية اقتراح مزيد من القنوات القانونية لتمكين الوصول إلى فرص العمل، وبالتالي الحد بطريقة ناجحة من الاتجار بالبشر.
وجدير بالإشارة في هذا الصدد إلى أن الميثاق الذي توافق عليه المجتمعون في مراكش، والذي تم إعلانه شفهياً في المؤتمر، سيخضع لتصويت نهائي من أجل إقراره في التاسع عشر من ديسمبر الجاري خلال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعبارة أخرى فإن مؤتمر مراكش لا يعدو أن يكون محطة شكلية في مسار اعتماد نص الميثاق الذي سيتم خلال أعمال الجمعية العامة.
وينطلق الميثاق من فرضية مضمونها أنه لا يمكن لأي بلد أن يتعامل بمفرده مع المشاكل التي تثيرها ظاهرة الهجرة، ومن ثم فإنه يؤكد على الحاجة إلى برنامج عمل عالمي لتحسين مزايا الهجرة وتحجيم مثالبها. وعلى هذا فقد جاء نص الميثاق على النحو الذي اعتمد في مراكش، والواقع في خمس وعشرين صفحة، يتضمن مجموعة من المبادئ والأهداف التي تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال والتأكيد على السيادة الوطنية للدول. كما يقدم مقترحات بإجراءات معينة لمساعدة الدول التي تواجه موجات من الهجرة غير النظامية، من قبيل تبادل المعلومات والخبرات وتسهيل اندماج المهاجرين. كما يؤكد على وجوب منع الاعتقالات العشوائية التي تتم بحق المهاجرين، وعدم اللجوء إلى إيقافهم سوى كخيار أخير. هذا فضلاً عن تأكيده على فتح باب الهجرة القانونية، ووقف الاتجار بالبشر، وإزالة كافة أشكال التمييز ضد المهاجرين.
ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان، ومن بينها بداهة حقوق المهاجرين كبشر، أن ما ورد بالميثاق غير كافٍ لحماية هذه الحقوق، وأنه لا يضمن حصول المهاجرين على المساعدة الإنسانية والخدمات الأساسية، فضلًا عن أنه لا يضمن حقوق العاملين من بينهم والذين قد يقبلون، مضطرين، ظروف عمل أو أجوراً مجحفة نتيجة لوضعهم الضعيف كمهاجرين في غير أوطانهم.
وفي المقابل يرى منتقدو هذا الميثاق أنه يفتح الباب واسعا أمام موجات كثيفة من المهاجرين لا يمكن التحكم فيها، وأنه يفتئت على حقوق دول الاستقبال ويجور على سيادتها. وهو ما دفع خمس عشرة دولة من الدول المشاركة في مؤتمر مراكش إلى إعلان انسحابها من الميثاق، كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا، أو تعليق قرارها النهائي بخصوصه، كإيطاليا والنمسا وبلجيكا وسويسرا.
ولعله من الأهمية بمكان في هذا المقام أن نؤكد أن ميثاق الهجرة هذا، والذي ستعتمده الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من الشهر الجاري، دون أدنى شك، وبأغلبية كبيرة، في ضوء ما أبان عنه التصويت على مشروعه في مراكش، سيبقى إجراءً قانونياً غير ملزم، وهو ما ينتقص إلى حد كبير من قيمته ويثير الشك في فعاليته وقدرته على معالجة مشاكل الهجرة التي يهدف إلى معالجتها.
وتفصيل ذلك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك القدرة، بحكم صلاحياتها التي منحها إياها ميثاق الأمم المتحدة، على إصدار قرارات ملزمة إلا في الشؤون الداخلية للمنظمة فحسب. كذلك فإن ما يصدر عنها من إعلانات وما تتبناه من مواثيق يبقى رهناً بإرادة الدول الأعضاء تقبل وتنفذ منه ما تشاء وتدع ما تشاء. وبعبارة أخرى فإن المبادئ والأهداف الواردة في ميثاق مراكش للهجرة ستبقى خاضعة لمحض تقدير الدول الأعضاء، إن شاءت أخذت بها وإن شاءت تركتها، دون تثريب عليها أو مسؤولية دولية على الإطلاق. ولعل هذا ما دفع بعض المنظمات الدولية غير الحكومية، كمنظمة العفو الدولية على سبيل المثال، إلى التعبير عن أسفها لكون تطبيق مقتضيات الميثاق سيبقى رهناً بحسن نوايا الدول التي تدعمه ما دام أنه غير ملزم من الناحية القانونية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"