«بريكست».. والمصير المجهول

02:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
بهاء محمود

في فصل جديد من فصول معضلة بريكست، قامت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» بتأجيل التصويت على اتفاق بريكست في البرلمان، لكن يرجح أن يتم في الحادي والعشرين من الشهر المقبل ، في خطوة وصفت بأنها ورقة ضغط من ماي على البرلمان، لوضعه في موقف حرج، كي يقبل باتفاق بريكست رغماً عن أنفه.
من جانبها أعلنت محكمة العدل الأوروبية، بأنه يمكن للحكومة البريطانية التراجع عن بريكست، دون الحاجة للرجوع لدول الاتحاد الأوروبي ال27، ويأتي هذا الحكم بمثابة دعم لتيريزا ماي، في معركتها مع البرلمان البريطاني، وجاء الحكم متوافقاً مع رأي قدمه المستشار القانوني للمحكمة، وقوى الحكم موقف معارضي بريكست أيضا، على أمل أن يجرى استفتاء جديد يمنع الخروج المقرر لبلادهم من التكتل في 29 مارس/‏‏آذار 2019، وأجرى توسك رئيس المجلس الأوروبي مشاورات مع قادة الدول الأوروبية ال27 بعدما قررت تيريزا ماي تأجيل التصويت على الاتفاق الذي كان مقررا التصويت عليه الثلاثاء الماضي، وأوضحت أن قرارها مرده إلى معارضة النواب البريطانيين لمسودة الاتفاق الذي تم التوصل إليه لتجنب عودة الحدود الفعلية بين إقليم أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، والمعروف ب«شبكة الأمان»، وسيتم عقد قمة بريكست على هامش قمة اعتيادية تعقد في بروكسل الخميس(اليوم).
ويتزامن ذلك مع توقع ماي رفض أغلبية البرلمان البريطاني للاتفاقية، بسبب الانقسامات العميقة بين النواب المؤيدين لبريكست والمعارضين في آن واحد، خاصة نقطة الحدود لأيرلندا الشمالية، التي لا يقبلها الحزب الأيرلندي الوحدوي حليف ماي، ويعتبرها معارضو ماي، بمثابة انتهاك لسيادة بريطانيا على أراضيها، رغم تطمينات ماي وأصدقائها الأوروبيين للوضع على الحدود الأيرلندية، لذا وقبل التصويت على بريكست بيوم واحد، ألغت ماي الاتفاق، معلنة أنها سوف تذهب لبروكسل مرة أخرى، محاولة منها لإمكانية إدخال تعديلات على الاتفاقية، إرضاء لقوى المعارضة البرلمانية البريطانية، والأحزاب المعارضة، وعلى رأسهم حزب العمال، الذي ينتظر الفرصة ليجلس زعيمه جيرمي كوربن فوق سدة الحكم، لكن الاتحاد الأوروبي أعلن رفضه التفاوض مرة أخرى، حيث صرحت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية للصحافيين: «لدينا اتفاق على الطاولة»، مؤكدةً موقف الاتحاد، الذي عبّر عنه من قبل رئيس المفوضية «جان كلود يونكر»، قائلاً «لن نعيد التفاوض، منتظرين كل السيناريوهات المحتملة».
وفي هذا السياق يرى «أناند مينون»، أستاذ السياسة الأوروبية في جامعة كينجز كوليدج في لندن، أن ماي تحتاج إلى بروكسل لجعل الاتفاق «واضحا تماما»، حيث لا تقدم أي تنازلات كبيرة، فيما يعد المتاح فعلاً هو إضافة بعض العبارات إلى الإعلان السياسي وليس إلى اتفاقية الانسحاب، وبالتالي فإن ماي تحتاج لدعم أوروبي قد لا تجده. في المقابل نشرت لجنة الخروج من الاتحاد الأوروبي تقريرها حول اتفاق الانسحاب والإعلان السياسي، ملخصة الوضع قائلة «إن صفقة رئيسة الوزراء لا تقدم ما يكفي من الوضوح أو اليقين لمستقبل المملكة المتحدة.
كما ينتقد التقرير رفض الاتحاد الأوروبي الاقتراحات التي قدمتها الحكومة للحفاظ على التجارة الخالية من الاحتكاك والحدود المفتوحة باعتبارها غير مقبولة، ومن ثم يرى التقرير أن المفاوضات ستزداد تعقيدا، وقد تستغرق وقتا أطول بكثير، لأن الحكومة البريطانية لم تحدد بعد أهدافا واضحة للعلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
إذن من المؤكد أن ماي تخشي الهزيمة، سواء بالإطاحة من رئاسة الحزب على يد عدد لا بأس من المحافظين، أو سحب الثقة من رئاسة الحكومة، حسبما صرح رئيس حزب العمال وبعض الأحزاب الأخرى، كما أن خيار الانتخابات المبكرة هو الأسوأ لها.
لذا قررت تيريزا ماي زيارة أنجيلا ميركل، وكذلك الذهاب إلى لاهاي لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء الهولندي «مارك روتا»، من أجل حشد دعم أوروبي وراء خطتها المتعثرة، وذلك قبل الاجتماع الأوروبي يوم 13 ديسمبر.
وتمثل أبرز حجج المعارضين لماي، في الغموض الذي يكتنف العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فبعد بعد 20 شهراً من المفاوضات، لا يعرف إلا شروط مغادرة المملكة المتحدة، فيما لا يعرف طبيعة العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، فنص الاتفاقية لا يقدم ما يكفي من الوضوح أو اليقين بشأن المستقبل، كما أن الإعلان السياسي ليس مفصلاً ولا موضوعيًا، إنه يحدد فقط سلسلة من الخيارات، وسيستمر الناس والشركات في مواجهة عدم اليقين الكبير بشأن شروط تجارتنا مع الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الفترة الانتقالية، كذلك لا توجد مقترحات واقعية وطويلة الأجل من حكومة ماي للتوفيق بين الحفاظ على حدود مفتوحة في جزيرة أيرلندا مع ترك السوق الموحدة والاتحاد الجمركي.
وعقب عودة ماي من بروكسل، يتبقى فترة ليست بالكبيرة، يرجح أنها إما تقصر على 21 يوماً، تعود فيها ماي إلى البرلمان البريطاني، بعد طلب تمديد من الاتحاد الأوروبي لإعادة التفاوض على الصفقة داخل بريطانيا، ما يعني قيام البرلمان بطلب لإيضاح النقاط الغامضة في الاتفاقية ثم تحديد موعد نهائي للتصويت بالموافقة أو الرفض، أو يظل الأمر معلقا حتى 21 يناير المقبل، بحسب تكهنات رجحت أن ذلك التاريخ هو موعد التصويت النهائي.
في المقابل قد ينجح المحافظون في سحب الثقة من ماي، ويتم تعيين رئيس وزراء جديد لبريطانيا، يطلب من الاتحاد الأوروبي مهلة إضافية للتفاوض على بريكست من جديد، وإذا لم يستجب الاتحاد الأوروبي تخرج بريطانيا بلا اتفاق.
فيما يتبقى خياران لا غنى عنهما، الأول هو إطلاق بريطانيا انتخابات مبكرة جديدة، لا يعلم أحد مدى فرص الأحزاب الكبرى فيها، سواء المحافظين أو العمال، وهو أمر يتطلب فقط دعما من ثلثي البرلمان، أو قدرة حزب العمال بحجب الثقة عن ماي، بمعاونة أحزاب معارضة، وتتشكل حكومة أقلية خلال 14يوما وهو خيار غير مستحب في بريطانيا ولن يعول على بقائه طويلا، أما عن الخيار الآخر فهو رضوخ ماي والقوى البرلمانية لعقد استفتاء عام جديد على بريكست، يحدد المصير بين بريطانيا والاتحاد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"