التيسير الكمي والركود التضخمي

21:20 مساء
قراءة 4 دقائق

دانييل لاكال *

من المتوقع أن يخفض ثلاثون بنكاً مركزياً رئيسياً أسعار الفائدة في النصف الثاني من 2024، وهو العام الذي ستجري فيه انتخابات في أكثر من سبعين دولة، ما يعني غالباً زيادات هائلة في الإنفاق الحكومي. بالإضافة إلى ذلك، تظهر أحدث أرقام التضخم نمواً سنوياً مستمراً في أسعار المستهلك.

وفي الولايات المتحدة، نما التضخم الرئيسي لنفقات الاستهلاك الشخصي في فبراير بنسبة 0.4%، مقارنة بارتفاع بنسبة 0.3% في يناير، ليصل معدل التضخم السنوي إلى 2.5%، صعوداً من 2.4% في يناير. ويضاف هذا إلى التضخم المتراكم أصلاً والذي بلغ 20% خلال السنوات الأربع الماضية. ومن المرجح أن يظهر التضخم الأساسي زيادة بنسبة 0.3%، وفقاً ل «بلومبيرغ إيكونوميكس»، وهو ما يعني زيادة سنوية بنسبة 2.8%، بالإضافة إلى زيادات الأسعار في السنوات الماضية.

إن قيام ثلاثين بنكاً مركزياً بتيسير السياسة النقدية وزيادة إنفاق سبعين حكومة وطنية في عام انتخابي يعني المزيد من الوقود لنيران التضخم في عام ارتد فيه نمو المعروض النقدي بشكل كبير من أدنى مستوياته في عام 2023.

لقد أغفلت البنوك المركزية المجاميع النقدية عندما تجاهلت مخاطر التضخم في عام 2020، وهي الآن تخفف مرة أخرى بسرعة كبيرة عندما لم تنته المعركة ضد التضخم. علاوة على ذلك، كانت الأداة الحقيقية الوحيدة التي استخدمتها البنوك المركزية هي رفع أسعار الفائدة، لأن التدابير المتوازية المختلفة لنمو النقود، بما في ذلك ضخ سيولة الريبو العكسي، عملت على إبقاء نمو المعروض النقدي عند معدل مرتفع حتى عندما كان توازن البنوك المركزية في مجموعة السبعة معتدلاً، وإن كان بوتيرة أبطأ مما أعلن عنه.

وقد تأتي معدلات التخفيض بعد فوات الأوان، لأنه بحلول وقت تنفيذها سوف يؤدي إلى نتيجة سلبية مزدوجة. وسوف يكون إعادة تمويل العجز الحكومي أرخص، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الدين العام المرتفع بالفعل إلى مستويات قياسية مرة أخرى، ولكن هذه التخفيضات قد تخلف تأثيراً ضئيلاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر لأنها تعاني بشكل أكبر التأثيرات المتراكمة للتضخم، وهو ما يعني ضعف الهوامش، والمزيد من الصعوبات لتغطية نفقاتهم، والفقر.

ويتعين علينا أن نتذكر أيضاً أن هذه المستويات المستمرة من التضخم الرسمي تأتي بعد التعديلات ذات الصلة في حساب مؤشر أسعار المستهلك. ما نعرفه بشكل مؤكد هو أن المستهلكين لا ينتبهون إلى معدل النمو السنوي في الأسعار، بل إلى المستوى المتراكم من الدمار الذي لحق بقدرتهم الشرائية، والجميع، من الأوروبيين إلى الأمريكيين، يدركون أنهم أصبحوا أكثر فقراً بشكل مصطنع بسبب السياسات المالية والنقدية المطبقة في عام 2020.

إن أي شخص يأخذ التضخم على محمل الجد لن يفكر حتى في تخفيفه في عام الانتخابات، ما يضيف تريليونات الدولارات من الإنفاق بالاستدانة إلى نار التضخم. علاوة على ذلك، فإن تاريخ التضخم يحذرنا من الاستسلام بسهولة وبسرعة كبيرة.

يرتكب بنك الاحتياطي الفيدرالي خطأً فادحاً عندما يهلل للأرقام الاقتصادية الرئيسية التي تأتي من إخفاء الركود في القطاع الخاص، والزيادة الهائلة في الدين العام، وأرقام تشغيل العمالة الضعيفة التي تزينها الوظائف المؤقتة أو وظائف القطاع العام. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يُخطئ من خلال إعطاء إشارات حذرة تجعل المشاركين في السوق يتحملون المزيد من المخاطر. ولم يكن هناك أي انخفاض ذي صلة في المعروض النقدي إذا قمنا بتضمين الطبقات المختلفة لضخ السيولة.

من المؤكد أن الإعلان عن التخفيضات المقبلة في أسعار الفائدة سيؤدي إلى ارتفاع ديون المضاربة، لكنه لن يغير الطلب على الائتمان من العمود الفقري للاقتصاد والشركات الصغيرة والأسر. وبما أن حكومة الولايات المتحدة رفضت أي دعوات للتطبيع، وأضافت بدلاً من ذلك المزيد من العجز والديون وكأن ارتفاع عائدات السندات لم يكن مشكلة، فقد عانى المواطنون والشركات بشكل كبير من التضخم المستمر وزيادة أسعار الفائدة. وعلى هذا النحو، فإن تخفيضات أسعار الفائدة سوف تنشط الإنفاق الحكومي المتضخم أصلاً، والشركات الميتة التي تحافظ على إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال. وسوف يتضرر الجميع في كلا الاتجاهين.

قد تظن أن كل المشاكل المذكورة أعلاه هي أخطاء سياسية، لكنها ليست كذلك، فهذه عملية بطيئة لتأميم الموارد. ويعد التضخم وإنشاء الأموال الاصطناعية من خلال العجز والتسييل بمثابة تحويل تدريجي للثروة من الرواتب الحقيقية ومدخرات الودائع إلى الحكومة. ويصبح الناس أكثر فقراً بشكل أساسي نتيجة جهود الحفاظ على التوسع الحكومي المتزايد. لا شك أن الأخطاء التي ارتكبت في الفترة 2020-2024 سوف تكلف الطبقة المتوسطة المزيد من الضرائب، حتى لو وعدت الحكومة بأنها لن تكون سوى «ضرائب على الأغنياء»، وهي أقدم وسيلة للتحايل لزيادة الضرائب.

ما يعنيه التيسير الكمي تماماً هو المزيد من الضرائب، والتضخم المستمر، والضريبة الخفية، وفقدان قيمة الأجور.

* أستاذ الاقتصاد العالمي في جامعة «آي إي» الإسبانية، وكبير الاقتصاديين في «تريسز» لإدارة الأصول (معهد ميزس)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/696zee5v

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد العالمي في جامعة «آي إي» الإسبانية، وكبير الاقتصاديين في «تريسز» لإدارة الأصول معهد «ميزس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب