تداعيات في فن الخطابة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين
هل كانت كلمة «إحياء» في محلّها من العنوان أمس: «نحو إحياء فنّ الخطابة»؟ لا شك في أن الخطابة ساء صيتها في القرن الأخير، جرّاء خواء الخطب العصماء، السياسية تحديداً، التي كانت بين شكلها ومضمونها سنين ضوئية. لكن السمعة التي شابتها وعابتها، لا تعني أنها فقدت معناها وقيمتها في عصرنا. الصورة تختلف كليّاً، وتستحق المقالات والدراسات والكتب، إذا غيّرنا طريقة التعبير وقلنا: فن إلقاء المحاضرات، فن مخاطبة الجمهور. الشيء نفسه: الحاج موسى، موسى الحاج.
فنّ الخطابة لا يسقط بالتقادم ولا يفقد قيمته بالتشويه. صحيح أن لغتنا ساخرة بالفطرة، فلم تجد جذراً ثلاثيّاً تشتق منه هذا الفن، غير الخاء والطاء والباء، وفيه الخطب، المصيبة، وكم كانت صادقة في نظرتها الاستشرافية، عندما نستعرض شريط العصماوات في النصف الأخير من القرن العشرين. لو كانت كلمات الخُطب خطوات، لكنّا الآن بلغنا مجرّة المرأة المسلسلة (أندروميدا).
مهمّ إذاً أن تعاد إلى هذا الفن مكانته، ابتداءً من المناهج. هنا منطلق الفرس، لأن هذا المنهاج منذ الابتدائية، سيكون تعزيزاً للفصحى بكل المقاييس. أمّا إذا حدثت المعجزة العربية، وصارت الحضانات والتمهيديات مبرّأةً من اللحن، منزّهةً عن الرطانة، فإن غيث الفصاحة والبلاغة سيجود لاحقاً على وسائط الإعلام السمعية البصرية، ويهمي على شركات الإنتاج الفني، وتستريح الأمّة من عصر باتت فيه الفصحى معتلّة.
لك أن تتخيل الطفل العربي يطأ عتبة الابتدائية وهو نسخة متطوّرة عن قس بن ساعدة. سيكون ذلك اليوم أعظم ثورة تربوية تعليمية في تاريخ العرب. يومئذ سيكون على الوزارات العربية أن تعيد تدوير كتب المقرر الدراسي في مادّة العربية. إذا كانت المناهج تهدر سنوات لكي يتعلم التلميذ أن الفاعل مرفوع والمفعولَ منصوب، فما الذي ستفعله إذا جاءها واللحن لا يعرف إلى لسانه سبيلاً؟ أليس التفكير في هذه المسألة بالذات، كافياً لإعادة النظر جذريّاً في مناهج العربية؟ أليس معيباً للغة ومئات ملايينها، أن العربية متردّية في كل العالم العربي؟ أليس باعثاً على ابتكار العلاج الناجع، أن النسبة المئوية لمن يكتبون العربية سليمةً، ضئيلة؟
دع جمال الكتابة جانباً، فذاك مرام أبعد. إذا كانت الحلول الإعجازيّة بين أيدينا، فلماذا نكون «كالعيس في البيداء»؟ القضايا متشابكة. تأمّل إلى أين ستجرف العربَ سيولُ اللهجات العامّيّة. الواقع يرينا الحقيقة في وسائط الإعلام والتواصل.
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: في الدعابة الفرنسيّة، الأمور بسيطة، فلمَ لا نعقّدها؟
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f958a3m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"