بعيداً عن التفكير النظري

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية 1500 منظمة فكرية، معلومة يوردها ستيفن بوشيه ومارتين رويو في كتاب «مراكز الفكر.. أدمغة حرب الأفكار»، منظمات تغني النقاش وتدرس اتجاهات الرأي العام، إنها خزانات أفكار. المؤلفان في الكتاب ينبهان القائمين على الثقافة في فرنسا بضرورة تحويل العمل الفكري أو الثقافي من الفرد إلى الجماعة، والتنبيه يكتسب أهميته في الحالة الفرنسية على وجه الخصوص، تلك الحالة التي يؤكد الكثيرون وضعها للثقافة في المقدمة، وهنا لا يمكن إلا أن نسأل عن عدد مراكز الأفكار في الوطن العربي على اتساعه، والإجابة تظل معلقة بحالة معلوماتية متدهورة بدورها.

إننا إذا بحثنا عن أي ملمح لعمل فكري جماعي في الثقافة العربية سنجد أنفسنا أمام صورة بائسة، يلاحظ في معظم الكتب المترجمة تلك المقدمة التي يوردها المؤلف ليشكر فيها متخصصين ساعدوه في تصحيح معلومة أو النقاش حول رأي معين، وهو الأمر الذي يندر أن تجده في كتاب بالعربية، هذا بخلاف الكتب الحوارية أو استكتاب دار نشر أو مؤسسة كبرى لمجموعة من المفكرين للإدلاء بآرائهم حول قضية ما، وإذا تركنا هذا الملمح الشكلي سنصادف عندنا الأسوأ في العمق، ونعني أن أفكارنا لم تتراكم لتشكيل مدرسة ما، لقد راوحنا حول معظم إشكالياتنا نتيجة لهذه السمة الواضحة والتي ربما تقتصر علينا.

وطأة المعلوماتية مفزعة في الحالة العربية، ولذلك فكلُّ إن لم يكن أغلب ما يدور على ساحتنا الثقافية والفكرية يبقى في الإطار النظري، هذه الوطأة شعرنا بها في كل ردود الأفعال الناتجة عن تقارير التنمية الإنسانية العربية المتعلقة بالترجمة والقراءة والصادرة منذ سنوات، لقد تشكك البعض في الأرقام التي رفضوا تصديقها في ما يتعلق بضآلة المترجم إلى العربية، وسارعت جهات عدة مشكورة بالشروع في الترجمة، وانتهت المسألة ولم يحاول أحدهم الإجابة عن سؤال كم أصبحنا نترجم في العام؟ وما ترتيبنا في العالم؟ والحال نفسها سنعثر عليها في معدلات القراءة والأوقات التي يمضيها العربي في المطالعة، وأمر شبيه حدث في مسألة اللغة العربية والجامعات والبحث العلمي.

وبعيداً عن مسائل أوردت بعض المؤسسات الثقافية معلومات موسمية عنها بإمكانك أن تسأل كيف يمكن لأحدهم إعلان وفاة القصة القصيرة من دون أي أرقام عن عدد القصص المنشورة سنوياً؟، وأسئلة مماثلة ستطرح نفسها في الكتب الفكرية والشعر والرواية، هي مسائل حكمنا فيها الذائقة والتوقعات والمعاينة.

إن الاهتمام بالعمل الجماعي المؤسس على المعلوماتية بات حاجة ملحة وضرورية، إننا نتورط يومياً في مطالعة آراء ربما تستفزنا أحياناً أو تدفعنا إلى الضحك في أحيان أخرى وفي النهاية تقودنا إلى الصمت، وهو صمت يعيش فيه البعض نتيجة لغياب الأرقام والخلط في التحليل بين المعلومة والرأي واستخدام اللغة التوكيدية الجازمة، وهى آراء لا تقتصر على الثقافة وحسب، ولكنها تمتد أيضاً إلى السياسة والاقتصاد، وحيث لم يعد العالم يعتمد في تكوين رؤيته على المفكر الفرد أو التنظير فقط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/t7eea5fn

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"