المجتمع والإعلام الجديد

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عبّرت وسائل الإعلام التقليدية دوماً عن شكل ما للمجتمع، تفاعلت معه وأثرت فيه، والقارئ لتاريخ الصحافة على سبيل المثال يعرف جيداً أن تلك المهنة تزامنت مع تشكيل الطبقة الوسطى في أكثر من بلد عربي. جسدت الصحافة في الفترة الممتدة منذ نهايات القرن التاسع عشر عن آمال وأحلام تلك الطبقة، وعمل فيها المثقفون والمفكرون والمتعلمون الذين تخرجوا في مدارس وجامعات كانت تلخص انفتاح مجتمعاتنا على زخم العصر الحديث، ولخصوا في صحفهم قيم التنوير والتسامح والرغبة في تقدم بلادنا لكي تستعيد زمام الحضارة مرة أخرى.

لم يكن التعبير عن الأفكار الكبرى الظاهرة الوحيدة لصعود الطبقة الوسطى والتي وجدت في الصحافة فرصة لترجمة رؤاها، ولكن سمات تلك الطبقة اتضحت في مختلف مفردات العمل الصحفي، حتى في بريد القراء الذي كان يعكس عدة مشاكل تؤشر على العقبات الاجتماعية المختلفة، وهناك نوعية الإعلانات التي كانت تخاطب شريحة معينة تمتلك مستوى مادياً معيناً، وأيضاً نظرة جديدة للحياة. ولم تكن أيضاً الصحافة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة المعبرة عن تلك الطبقة، ففي مذكرات وسير العديد من الكتاب والأدباء هناك إشارات مماثلة عن دخول «الراديو» إلى المنازل وما أحدثه من حراك في الثقافة والعلاقات الاجتماعية، ويحكي البعض عن أن الطبقة الوسطى كانت هي الشريحة الوحيدة التي رحبت بجهاز «التليفزيون»، فالكثير من الأثرياء رأوا في هذا الجهاز بعض الشعبوية، فهو يتطلب البقاء في البيت مما يؤثر بالسلب في ثقافة الذهاب إلى السينما والمسرح والحفلات العامة.

هل أدى ازدهار الطبقة الوسطى إلى تطور وانتعاش وسائل الإعلام التقليدية؟، أم أن هذه الأخيرة أسهمت بقوة في صعود تلك الطبقة؟، سؤال يحتاج إلى تأمل ودراسات تاريخية تستخدم مناهج علم الاجتماع، ولكن في الحالتين هناك علاقة وثيقة بين وسائل الإعلام وشكل المجتمع، وهي علاقة تغري المتابع بمحاولة رصدها الآن.

نعيش حالياً عصر مواقع التواصل الاجتماعي، أو زمن الإعلام فائق الحداثة أو مرحلة صحافة الإنسان العادي، كما يحلو للبعض توصيف الواقع الراهن، فهل هناك شكل ما جديد لمجتمعاتنا يؤثر ويتأثر بتلك اللحظة المختلفة في الإعلام.

يعبّر الإعلام الجديد عن علاقات مختلفة بين البشر، فإذا كانت تلك العلاقات بين المتلقي وصانع المادة الإعلامية في الماضي رأسية، تأخذ دورتها المعروفة: مرسل ومتلقي ورجع الصدى، فإن تلك العلاقة الآن أفقية ومعرفة الأثر فيها لحظي وسريع، ومادتها الإعلامية يتم تقييمها مباشرة، ورأي الجمهور حاضر دوماً، وهو ما يعكس إلى حد كبير شكل العلاقات في المجتمع، ولكن هل يمكن تحديد طبقة ما يعبر عنها هذا الإعلام؟، يمكن القول مبدئياً إنها فئة الشباب، ولكن من الصعوبة بمكان ربطها بشريحة اقتصادية، فتلك الفئة تتوزع على مختلف الطبقات، والأكثر صعوبة القول إن هناك أفكاراً كبرى حاكمة لتلك الفئة، وهناك صعوبة ثالثة تتمثل في رصد سمات ثقافية وسلوكية معينة لهذه الفئة. ومعرفة أبعاد العلاقة بين الإعلام الجديد وتقلبات مجتمعاتنا الآن رهينة بعلم اجتماع عربي غائب ينتظر من يعيده لكي يتأمل قوانين الواقع سريعة التغير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"