فلسفة المناهج

04:47 صباحا
قراءة دقيقتين
ابن الديرة

دراسة واقع المناهج المدرسية ومدى مناسبتها لقدرة استيعاب الطالب المتلقي في صفه ومرحلته التعليمية، بحاجة إلى تفرغ لمدة زمنية قد تطول أو تقصر، بالتأكيد، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تكون عنواناً لمقال أو درس، ولا حتى محاضرة مهما زاد عدد جمهورها المتلقي، والسبب المباشر لهذه الأهمية الاستثنائية نابع من أهمية العلم بداية كوسيلة حياة لا غنى عنها، ولا يجوز أن نعيش بدونها في القرن الحادي والعشرين.
وهناك أسباب أخرى، لعل أبرزها حساسية المرحلة العمرية للمتلقي، ومدى أهمية أن تنساب المعلومات أمامه ولا يشعر معها بصعوبة أو بغربة، لأنه في أية أحوال كهذه سيتأثر سلبياً من دون شك، وقد يتخذ موقفاً معادياً غير مدرك.
ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نفلسف المناهج، بمعنى أن نحيلها إلى مواد صعبة الفهم، مستعصية على الفهم والإدراك، وهو بالتأكيد ما يتحاشاه الأساتذة الذين يكلفون بهذه المهمة، كل في قطاعه المختص به، وكلهم على مستوى عال من الكفاءة، لإدراكهم المسبق أن الطالب المتلقي يجب أن يحب ما يقبل على تعلمه، وإلا سيعتقد أنه فوق قدراته العقلية وطاقاته العملية، وتنشأ عقد نفسية لديه، يتطلب علاجها تدخل الاختصاصي والطبيب إذا لزم الأمر.
بالصدفة، وقع بين يدي كتاب اللغة العربية، الجزء الأول، للصف السادس الابتدائي، وفتحت على الصفحة 17 وبدأت اقرأ، فوجدت قطعة قصصية للكاتب الطيب صالح، وفيها كلمة «مقرور» التي لم أعرف معناها للوهلة الأولى، ولكنني حزرت المعنى من الجملة التي وردت فيها «فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس»، كما قابلت في الصفحة كلمتي «القمري وترهات»، وفهمت من المعنى والبحث أن الشخص المقرور هو شديد البرد، والقمري نوع من الحمام له صوت غنائي، والترهات تعني التفاهات.
وبدون الدخول في التفاصيل، فالأكثر فائدة هو أن نتناقش حول هل أن الكلمات البسيطة المعروفة للأكثرية أقل قيمة من تلك شبه المجهولة، التي لا يعرف معناها إلا من يطلعون ويقرأون أكثر؟ أم أنها يمكن أن تفي بالغرض، وتقدم المعنى المطلوب، وتضاف إليها مفردات قريبة منها تساعد على ثبات معناها في الذهن مهما مرت السنون.
هل من الضروري أن نفلسف المناهج حتى تبدو صعبة، و«متعوباً عليها»، أم يمكن أن يكون البساط أحمدياً ولا نهتم بالمظاهر والدعاية الخاصة، ونميل أكثر إلى انتقاء مفردات تتسق وطبيعة المجتمع وبيئته ومستوياته المعرفية والثقافية، وكثير من العوامل الأخرى التي تعين على سرعة استيعاب المعاني التي تدل عليها اللغة بلا حاجة إلى سبر غور المعاجم حتى نصل إلى المعاني القريبة.
نأمل أن تكون مناهجنا الدراسية عاملاً مساعداً للطالب، ليقبل على القراءة بنهم، وحب للفهم والاستزادة من العلم، فإحساس الصداقة بكل وسائل المعرفة والمعلومات المتنوعة، هو من أكثر الدوافع التي تهيئ عوامل النجاح للفرد ليكون ابن عصره في تفكيره وسلوكه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"