أدب الديستوبيا

04:30 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

الراهن المعاصر المملوء بالخيبات والانكسارات يلقي بظلاله على الأدب وعلى خيالات الكتاب، خاصة الذين تأثروا بما عرف بالنزعة التشاؤمية أو العدمية التي أسس لها العديد من الفلاسفة أمثال «شوبنهاور» و«نيتشة»، وغيرهما. وهي الأطروحات الفلسفية التي كان لها تأثيرها الكبير في عالم الأدب، ولعل «الديستوبيا»، أو أدب المدينة الفاسدة والنهايات، هو تمثل إبداعي للاتجاه العدمي في الفلسفة، فهو أدب خيالي يتناول المستقبل بشكل تشاؤمي ينتشر فيه الفساد والشر والفوضى، كما أنه يتناول الحاضر في بعض الأحيان بصورة خيالية مع إسقاط على الواقع.

ومواضيع «الديستوبيا»، هي في معظمها تميل نحو التعبير عن الواقع الاجتماعي والسياسي، فهي تتحدث بشكل أساسي عن تفشي الظلم وانعدام العدالة السياسية والاجتماعية وتلاشي الشعور بالأمان في الحاضر الذي يعيش فيه الإنسان تحت وطأة ثقافة المال والاستهلاك، أو المستقبل الذي لن يكون أفضل من الحاضر بسبب طمع الإنسان وأنانيته.

وجاء أدب «الديستوبيا»، ليكون نقيضاً ل«اليوتوبيا»، وهو نوع من الأدب عبر عن حلم الإنسان في صنع واقع جميل يسود في الخير وقيم العدالة وينعدم فيه الظلم بكل أنواعه، وهو ما عرف بحلم المدينة الفاضلة الذي كان قد تمناه وتخيله الفيلسوف اليوناني أفلاطون، حتى أن بعض الفلسفات التي ظلت تنادي بتغيير العالم لمصلحة سيادة القيم الإنسانية الجميلة قد سميت باليوتوبيات، أي التي تنشد قيام مجتمع مثالي ينعم فيه البشر بالسعادة، وعلى العكس من ذلك جاءت «الديستوبيا»، والتي تشترك مع اليوتوبيا في كونهما تستندان على الخيال، لكن الأولى تعبر عن أحلام مدينة فاضلة، بينما الأخيرة تتناول المدينة الفاسدة.

ومع بدايات القرن التاسع عشر ظهر أدب «الديستوبيا» بقوة معبراً عن تشظي المجتمعات وانتشار ظاهرة القمع السياسي، وكانت بداية هذا النوع من الأدب في مجال السرد قد ظهر مع رواية «باريس في القرن العشرين»، للكاتب الفرنسي جول فيرن، وذلك في عام 1863، حيث رسم صورة متخيلة لمستقبل باريس مع التطور الكبير في مجال التقنيات، وهي صورة بائسة وفاقدة للمحتوى الإنساني، حيث يتقدم العلم وتتراجع الثقافة والقيم الإنسانية، وهنالك أيضاً روايات الخيال العلمي التي قدمت صورة بشعة للمستقبل، فهذا النوع من الأدب برز في السينما وأفلام الخيال العلمي لليافعين، ثم انتقل بشكل أكبر وأبرز إلى السرد والرواية.

ولعل أكثر ما أغرى الأدباء في كتابة الديستوبيا، أنها شديدة التعبير عن واقع الأزمات التي يعيشها البشر في القرن العشرين، ولأنها أيضاً مثلت طريقاً للحالمين بالتغيير، فمثل هذه الأعمال على طريقة الديستوبيا إنما هي بمثابة إنذار شديد الإلحاح للبشرية بضرورة السير في طريق مختلف، ومن أشهر الكتاب الذين اهتموا بهذا الاتجاه الأدبي، يبرز «كافكا» في أعمال عديدة له مثل: «المحاكمة»، و«التحول»، وأيضا «جورج أورويل» وغيرهما من الكتاب الذين رصدوا قسوة المعاناة والألم في الواقع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"