الأدب والشر

01:58 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

ينظر إلى الأدب دائماً كنقيض للشرور، أو ترياق لها لما يحمله من قيم تدعو للخير، والمحبة، والجمال، ولكن ألم يتورط كثير من الأدباء في الشر؛ أي في صنع كتابات إبداعية بثيمات شريرة؟ هذا الأمر قد حدث بالفعل، فصناعة الشر داخل النص الأدبي هي حيلة شريرة من أجل أن يجد القارئ المتعة في المادة الإبداعية، أو كما يقول الفيلسوف الفرنسي جورج بيتاي، صاحب كتاب «الأدب والشر»: «إذا ابتعد الأدب عن الشر فسيبدو مملاً»، وقد سعى بالفعل بيتاي في مؤلفه ذلك إلى اكتشاف مناطق خفية غير متناولة في إبداع كثير من الأدباء والمفكرين، وقد وجد أن بعضاً منهم قد مارسوا فعل التطهر؛ أي أنهم تخلصوا من العنف الدّاخلي لديهم عبر تحويله إلى عمل خيالي إبداعي.

ولعل الجهد الذي قدمه بيتاي في الكتاب هو الأول من نوعه؛ أي في تناوله لجوانب غير مطروقة في الأدب الذي يصفه بأنه غير بريء، بل متورط في عملية الشر، ويصحبنا الكاتب في الكثير من المواقف التي تبرز تلك الشرور، سواء في الشعر، أو الروايات، ويبرز أسماء كتاب كبار في تعاملهم مع موضوع الشر، أمثال كافكا، وجان جينيه، وبودلير، وسارتر، وإيميلي برونتي، ومحورية فكرة الشر في الأطروحات الأدبية عندهم، فالمؤلف يرصد المتعة بالعنف، والرّعب والموت، وخرق القانون لدى هؤلاء، ويخلص بيتاي إلى أن الشر، مثله مثل الخير، يمثل قيمة جوهرية في الأدب.

ويقدم بيتاي نماذج من روايات وأعمال شعرية شهيرة، فهو يعقد مقارنة بين «مرتفعات ويذرنج»، لبرونتي، والتراجيديا الإغريقية، حيث يجد في كليهما انتهاكاً مأساوياً للقانون، وفي كليهما يتم التعاطف مع منتهكي القانون المتروكين لمصيرهم المأساوي، وبالتالي يصبح الأدب نوعاً من اختبار خروج الذات الإنسانية عن القانون، ويقول بيتاي: «الأدب وحده يستطيع تقديم لعبة انتهاك القانون بعريها التي من دونها لن يكون هناك للقانون من غاية».

ثم يتوقف عند الشاعر بودلير الذي يقول: «ارتكاب الشر لمساءلة الخير ومراقبة الذات»؛ أي أن معرفة الخير لا تتم إلا باكتشاف الشر، وهو ما تناوله الفيلسوف سارتر في تشريحه للموقف الأخلاقي عند بودلير، الأمر الذي دفعه؛ أي سارتر، للتوقف كثيراً عند قضية الحرية والأخلاق، فهو يرى أن هؤلاء الذين يرتكبون الشر كخيار تجريبي واع، هم من يعترفون بالخير، لأنهم يقرون بأن الشر نسبي، ومنحرف، وسيكون لا شيء لو لم يكن الخير موجوداً، وهذه النظرة الدقيقة هي التي يقرأ من خلالها سارتر شخصية بودلير، وشعره، خاصة ديوانه «أزهار الشر».

وهكذا يفعل بيتاي مع أعمال كافكا، ومارسيل بروست، وجان جينيه، فهو يقدم لنا سياحة ممتعة حول تلك الشخصيات، وإنتاجها، ويبرر بيتاي ذلك الشر الموجود في تلك الأعمال بالطفولة المتمردة عند هؤلاء الكتاب، أو رغبة الفنان في التجريب الإبداعي إلى أقصى الحدود التي يختبر فيها الكاتب قيمه وإنسانيته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"