الاغتراب والأدب

03:12 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

جاء مصطلح الاغتراب إلى الأدب من حقل الفلسفة، حيث يعد من أكثر المفاهيم التي شغلت بال الفلاسفة فعملوا على تفسيره، وإبراز تأثيره في حياة البشر، وهو مفهوم قديم تمتد جذوره إلى فلسفة «أفلاطون»، وتبلور بصفة خاصة عند الفيلسوف لودفيج فيورباخ، تلميذ «هيجل»، والذي تحدث عن اغتراب الفرد عن إنسانيته، وعلى هذا النحو سار معظم الفلاسفة، والمفكرين.
لكن المفهوم وجد بحثا أكبر في المذهب الاشتراكي في الفلسفة، خاصة الماركسية، التي نزلت به من كونه فكرة محلقة وهائمة في الخيال، إلى واقع الأرض وحقائقها، عندما أكدت على أن الاغتراب، أو الاستلاب، يتم داخل المجتمع، حيث الحياة شديدة الثقل على الفرد فيغترب عن ماهيته؛ أي إنسانيته، وهذا التعريف أصبح هو السائد، ودخل بثقله إلى الأدب في الشعر، والمسرح، وبصورة أكبر في السرد الروائي والقصصي، ومن ضمن الأدباء الذين اشتغلوا عليه «كافكا»، في روايته «المسخ»، وكان لكافكا أثره الكبيرة في الأدباء المعاصرين، فكان يرى أن الاستلاب هو الجانب السفلي المظلم الذي يلطخ القيم الإيجابية للحداثة، فالمجتمعات الحديثة تحدث فيها انقسامات كبيرة يمتد تأثيرها في الجماعات المهمشة، وخاصة الأفراد، حيث تصبح الحرية مجرد حلم عند الإنسان الذي يعيش حالة اللاانتماء.
بل وظهرت تيارات ومذاهب أدبية تقوم على فكرة الاستلاب، مثل: الرمزية التي تحتفي بالدلالات، والواقعية السحرية، التي اتجهت نحو الأسطورة وهيمنتها على المجتمعات، وتزيد من اغتراب الإنسان، لكن التيار الذي تمثل المفهوم بشكل أوضح هو «اللا معقول»، أو «العبث»، الذي غاص في عمق المجتمع، وتناول وضعية الفرد في علاقته مع الجماعة، وحالة شعوره بعدم الانتماء، وإحساسه الداخلي بالعزلة عن محيطه، أو حتى عن الناس الذين يحيطون به، ومثال ذلك في أعمال «يونسكو»، و«بيكيت»، و«كامو»، و«سارتر»، الذين تحتشد أعمالهم بشخوص تائهين، ومنعزلين، الاغتراب في النصوص السردية والمسرحية يأتي معبراً عن مكبوت الشخصيات ووحشتها وانعزالها.
وفي عصرنا الراهن الذي يعيش فيه الإنسان تحت وطأة العولمة بكل دلالاتها الاقتصادية، والسياسية؛ تبرز حياة العزلة، والغربة، والوحشية، نتاج التشظي الاجتماعي، وبالتالي كان للأدب دوره في تناول هذه التعاسة التي يعيشها الأفراد، بل إن الرواية تحديداً، انصرفت بشكل كامل نحو تبني مفهوم اغتراب الفرد عن جماعته، وإنسانيته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"