الفلسفة والتشكيل

02:32 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

من أكثر الأقوال التي لخصت العلاقة بين الفنون والفلسفة، تلك التي جاءت على لسان الشاعر الفرنسي بول فاليري عندما قال: «ولد علم الجمال ذات يوم من ملاحظة وشهية فيلسوف»، والمتتبع لمسار فن الرسم حتى لحظة تطوره الكبيرة، يلاحظ الأثر الكبير للفلسفة، فاللوحة ما عادت تقليداً أو تصويراً فوتوجرافياً لما يجري في الطبيعة، بل أصبحت تعبيراً عن فكرة ما في ذهن الفنان، بل إن بعض المشتغلين بالفلسفة يرون في الفنون التشكيلية بمدارسها المتعددة من تكعيبية ورمزية وسريالية وغيرها، إنما هي لحظة تحقق فيها حلم أفلاطون في أن يقوم الفنان بالتعبير عن الجوهر أو الحقيقة، وبالفعل فقد أضحت الرؤية والشغف الفلسفي للفنان هي التي تنتج اللوحة التشكيلية.

لقد صار الفن أقرب إلى الواقع، ولم يعد مجرد تهويمات، حيث إن تناول الحياة اليومية، يعد اليوم من اهتمامات الفنون التشكيلية، لكنه بطبيعة الحال تناولٌ خلاّقٌ يصنع المشهد البصري بعصارة التفكير الفلسفي، ولئن كان الفيلسوف نيتشه قد أعلن عما أطلق عليه «الفلسفة بالمطرقة»، فإن الفنان التشكيلي يخلق رؤياه الفكرية عبر ضربات الفرشاة، فهو يصنع عوالم جمالية تحمل وجهة نظر مكتملة حول الوجود تعكس تجربته في التأمل والتفكير العميق.

لقد ذهب الفلاسفة إلى تناول الجمال، ونشأ من ذلك التناول ما صار يعرف بعلم الجمال، وهو مبحث فلسفي في الفن والذائقة، ولكنها نادرةٌ تلك الدراسات التي بحثت في الفن كفلسفة، أو الفنان كفيلسوف، على الرغم من أن الكثير من الفنانين العالميين عبرت لوحاتهم عن لحظة فلسفية على نحو ما فعل فنانو عصر النهضة الذين خلقوا ثورة طوروا عبرها الفنون عبر واقعية جديدة في التصوير والمحاكاة، وكان ذلك نتاج دراسات متأنية للإنسان، فكان ذلك الفعل بمثابة ثورة أعطت فن الرسم والنحت واقعاً جديداً يحمل الرؤى الفكرية، وقد امتد هذا الأثر إلى عصور لاحقة.

واليوم لم يعد الفن مجرد تجميل لحياة البشر بحسب الفيلسوف هيجل بل صار، بفضل التطور الكبير، تعبيراً عن موقف فكري للفنان، وإلى جانب أن اللوحة التشكيلية تحمل رؤى ومضامين فلسفية، فهي تحرض المتلقي كذلك على التفكير الفلسفي من أجل اكتشاف المعاني الكامنة في اللوحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"