كثيرة هي الأطروحات التي تناولت غياب المؤلف، وربما بدأت مع الناقد الفرنسي موريس بلانشو، «1907 - 2003»، أي قبل ظهور أطروحات الفيلسوف ميشيل فوكو، واللغوي رولان بارت، فقد استهدف بلانشو بشكل أساسي المؤلف، ذلك الذي يجلس في مكان عال متضخم له سلطته الأكيدة على النص، فالكتابة عند بلانشو ليست بالضرورة تعبر عن أراء وأفكار وأحوال كاتبها، أي أنها ذات طابع غير شخصي، محايد، فهو يقول عن دور القراءة في تغييب المؤلف: «كل قراءة هي نوع من الخصام الذي يقضي على المؤلف»، ولعل بلانشو ينطلق من ضرورة ترك المجال للكلمات، أي أنه لا يكتب الكاتب وفق حالة تعبر عنه فقط، بل ما لا تعبر عنه كذلك.
و بعد ذلك وعبر صرخة عالية هزت الأوساط الأدبية والثقافية، أعلن رولان بارت موت المؤلف، وقال: «نعم، لقد مات تماما»، وقد نظر بارت إلى العلاقة بين الكتابة وفعل القراءة، وما ذهب إليه بارت من إعلان لموت المؤلف، إنما قصد به هزيمة سلطة المؤلف وذاتيته الطاغية على النص، بالتالي تحرير النص من تلك الهيمنة، ويفعل بارت ذلك من أجل خلق حالة مختلفة في عملية القراءة بحيث يخضع النص للقارئ، عبر إيجاد علاقة إبداعية بين المؤلف والقارئ، فهذا الأخير بحسب بارت، هو من الثقافة والمعرفة بحيث يدرك ما يريد المؤلف قوله، بل وربما يتجاوزه عبر التأويل الخلاق، ويذهب إلى أماكن في النص لم يعتن بها الكاتب، بالتالي تنتهي الهالة السحرية المحيطة بالمؤلف فيغيب عن المشهد ثم يموت، فالقارئ لم يعد بحاجة إليه، ويخلص بارت إلى أن ازاحة المؤلف عن عرشه، ليس حيلة كتابية، بل هو إنقلاب في قراءة النص الحديث، أي أن النص سيقرأ، بطريقة تجعل المؤلف غائباً عنه.
أما فوكو فيأخذ ببعض ما جاء به بارت، ويختلف معه عندما يتحدث عن «وظيفة المؤلف»، فقد اهتم بشكل خاص بمعرفة هوية المتحدث، من هو الشخص الذي يتحدث في النص، فعندما نقول إن المؤلف هو شخص يكتب نصا، نكتشف على الفور أن هذا ليس دقيقا تماما أيضا، فالنص هو أي شيء مكتوب على إطلاقه، هذا يتضمن قوائم التسوق، والملاحظات التي تكتب في الفصول الدراسية، وهذا لا يجعل الإنسان مؤلفاً، وعندما يكتب المؤلفون، تجد أكثر ما يقولونه ليس ناتجا عن رؤيتهم أو قدرتهم المميزة وإنما ناتج عن اللغة التي يستخدمونها، لأن معظم النص هو لغة يتم التحدث بها، وبالتالي فإن فوكو اختلف مع فكرة موت المؤلف عند بارت، بأن جعل المؤلف حياً لكنه مجرد أداة تدع اللغة تكشف نفسها.
