خصوصية الشعر

02:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
علاء الدين محمود

الأمم التي تحافظ على موروثها الحضاري هي تلك التي تهتم بكل مفردات التراث، وتحافظ على قيمه الفاضلة التي يعبر عنها الأدب خير تعبير. ولعل الشعر النبطي هو واحد من الأجناس الأدبية التي تخلّد القيم والهوية الوطنية، والثقافة الشعبية، والمفردات اللغوية النادرة وتحفظها من الضياع، فهو يبرز أهمية الخصوصيات الثقافية في زمن العولمة التي تريد ابتلاع الجميع لتشكل ثقافة أحادية تعبر عن إنسان واحد ببعد واحد، ولعل مهرجان الشارقة للشعر النبطي قد تمثل هذا الأمر جيداً في جميع دوراته السابقة، فقد كان بمثابة منصة عربية كبيرة تهتم بالقصيدة الشعبية باعتبارها شديدة الالتصاق بالوجدان الشعبي في العالم العربي، ومعبرة عن تراث الأمة، لذلك ظل المهرجان يسعى إلى جمع شعراء العالم العربي الذين أبدعوا في هذا اللون الشعري المحبب، لخلق حوارية بينهم، وكذا الحال بالنسبة للفعاليات الفكرية التي تبحث في أمر الشعر النبطي والتراث.

أسس المهرجان لحالة جديدة في التعامل مع الشعر النبطي والمفردات الشعرية الأصيلة الجزلة من حيث التعامل العلمي من توثيق وتدوين، فقبيل المهرجان، ظل هذا الشعر ومفرداته وتعبيراته الجزلة تتناقل عبر المشافهة، فكان لابد من التفاتة قوية إليه تحفظه من الضياع عبر تدوينه، والتوثيق للشعراء الرواد والأصوات الشعرية المتميزة التي عرفتها الإمارات، فكان أن تبنى المهرجان هذا التوجه المفقود عبر أنشطته المختلفة، وبشكل خاص الفعاليات والورش المعنية بالتحاور حول الشعر الشعبي والحفاظ عليه، فقد ظل المهرجان في كل دورة يبتكر عنواناً جديداً لندوات فكرية من أجل أن يسكب فيها الباحثون المختصون بأمر الشعر النبطي كل جهودهم البحثية في إيجاد أفق له، والتفكير حول تياراته وأنماطه وأنواعه.

وعمل المهرجان في كل دورة جديدة، على تكريم الرواد الأحياء من الشعراء، وهي عملية نادرة تعبر عن قيم الوفاء، فقد اعتاد الناس على تكريم مبدعيهم بعد الموت، لكن المهرجان استن سنة جديدة تحفز الشعراء وتدفعهم نحو السير في طريق العطاء، كما أن إدارة المهرجان ظلت تنظم أمسية خاصة بالمكرمين يقدمون خلالها شهاداتهم الإبداعية في حوار مع الجمهور حول أبرز محطاتهم مع الشعر، ويعمل المهرجان كذلك في كل نسخة جديدة على طبع الأعمال الشعرية للشعراء المشاركين، وينظم لهم الأمسيات التي يوقعون فيها على أعمالهم الأدبية، الأمر الذي يشجع المبدعين في مجال الشعر الشعبي على مزيد من الإنتاج، ويطورون من ملكاتهم الشعرية.

وتأتي الدورة الجديدة وهي تحمل في جعبتها الكثير من الأنشطة والفعاليات والرؤى، الأمر الذي يشير إلى أن المهرجان قد اكتسب من الخبرات ما يجعله يقف على رأس المنصات والملتقيات والمهرجانات المعنية بالشعر الشعبي في كل العالم العربي، فبالإضافة إلى ارتفاع عدد الشعراء المشاركين في الدورة الحالية فإن الندوات الفكرية هذا العام أخذت طابعاً يعبر عن التطور في طرحها وأفكارها، فهذه الدورة شهدت تنظيم ندوة «قراءات من الموروث الأدبي لشعراء من الإمارات»، تتضمن شهادات وبحوثاً وأفكاراً لمختصين في الموروث الشعبي.

إن القصيدة النبطية تحمل بين متونها وحوافها ذاكرة شعبية خصبة وهوية وطنية راسخة، حيث تحفل بالدلالات العميقة، وهذا ما وعاه المهرجان الذي بات محط أنظار الشعراء الشعبين والنبطيين من المحيط إلى الخليج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"