غموض شكسبير

02:59 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

منذ القرن التاسع عشر بدأ بشكل جاد التشكيك حول شخصية الكاتب المسرحي والشاعر الإنجليزي المعروف وليم شكسبير (1564 1616)، حيث أعلن باحثون أن شكسبير قد يكون شخصية خيالية ولم يوجد في العصر «الإليزابيثي»، من يحمل ذلك الاسم، ولكن يبدو أن هنالك بعدين مخفيين في مسألة التشكيك تلك، الأول: بعد إيديولوجي، وهو الذي يتبناه بعض المؤرخين الذين ذكروا أن أصول شكسبير المدونة والمتداولة، تنتمي إلى طبقة اجتماعية فقيرة ومقصية من معادلة الثروة والسلطة، تعيش على هامش الحياة الثقافية والاجتماعية، بالتالي فمن المستحيل أن تنتج شخصية بهذه العظمة والتفوق من تلك الطبقة، أما البعد الثاني فهو أكاديمي ينتمي ممثلوه إلى البيئة الجامعية، وهؤلاء يدفعون بأن شخصية شكسبير التي حكى عنها التاريخ غير متعلمة ولم تنل حظاً من التعليم المتخصص، بالتالي يصعب نسبة تلك الأعمال العظيمة المعقدة إلى رجل لم يتلق تعليماً مناسباً ولا يتمتع إلا بالموهبة فقط.

وبطبيعة الحال فإن جميع ما قدمه المشككون حول شخصية شكسبير ونتاجه الأدبي، يمكن أن تكون إلى صالحه تماماً، فقد ذهب معظمهم إلى أن العصر الذي عاش فيه الكاتب الكبير كان شديد الظلامية، حيث فرضت رقابة شديدة على الأدب، وأعدم الكثير من الأدباء، فاتجه مبدعو ذلك العصر إلى استخدام الأسماء المستعارة، بالتالي يمكن أن يكون شكسبير اسماً غير حقيقي.

ولكن ما فات على هؤلاء النقاد أن هذه الحجة تعضد من وجود ذلك المؤلف العظيم بشدة، حتى وإن لم يكن اسمه شكسبير، فلئن كان معظم الجدل والتشكيك قد انصب حول الاسم فالواقع يقول بحقيقة الأعمال حتى وإن كان الاسم غير حقيقي، فمما لا جدال فيه أن جميع الأعمال المنسوبة لشكسبير قد خرجت من مصدر واحد، فالمنهج والأسلوب في الكتابة هما لكاتب واحد، ولا يمكن أن يصدرا من شخصيات متعددة تحمل ذات الاسم، حيث إن شكسبير منذ بداياته التي شكلتها الكوميديا والسخرية، والتي هي شديدة الالتصاق والتعبير عن الواقع الاجتماعي، حملت ذات السمات والبصمة الواضحة حتى عندما اتجه نحو التراجيديا، التي كانت أيضاً مرحلة في تشريح الحياة السائدة آنذاك، وما يجمع بين المرحلتين هو النقد الذي يغوص بعمق ليعري الطبقات المخملية.

وليس غريباً أن تكون حياة شكسبير غامضة، فكل العصر الذي عاش فيه كان غامضاً، ولا ننسى أن شكسبير هو ملك لعبة الأقنعة، فتلك الوجوه المستعارة التي استخدمها، إنما هي إحدى أهم حيله الدرامية في نقد المجتمعات المرفهة، والكشف عن الوجوه الزائفة.

ويبدو أن الطبقات المخملية أرادت أن تنتقم بذات الطريقة الشبحية التي كان يستخدمها شكسبير، وكذلك فئات المتعلمين التي عز عليها ألا يكون الكاتب العظيم خريج جامعاتها المرموقة، ويعلم الجميع التواطؤ التاريخي بين المؤسسات التعليمية والطبقات البرجوازية في أوروبا، ولكن تبقى جميع تلك الشكوك بلا دليل يقوي حجتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"